التربية والتعليم في سورية.. مشكلات متراكمة
العملية التربوية حالة مستمرة منذ الطفولة وإلى ما شاءت الحياة، وهي مكفولة دستورياً لجميع أفراد المجتمع، وفي معظم دول العالم يكون التعليم إلزامياً، ومجاناً في مراحله الأولى.
وسورية من الدول التي اعتمدت إلزامية التعليم ومجانيته منذ عدة عقود، واستفادت من هذه الميزة شرائح اجتماعية كثيرة، وعلى وجه الخصوص الشرائح الفقيرة التي وجدت في إلزامية التعليم متنفساً لها.
غير أن الأسر الفقيرة باتت اليوم تتحسر على أيام زمان، وأصبح التعليم حالياً مدفوعاً إلى حد بعيد، وتزداد ميزانية مدفوعات الأسرة السورية المكسورة أصلاً مطلع كل سنة بإرهاقات جديدة من مستلزمات مدرسية وكتب ودفاتر وغيرها.
ضعف المناهج والتلقين الببغاوي
لايخفى على ذي بصيرة أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية تمر حالياً في أزمة حقيقية تتجلى في زيادة الغلاء المعيشي وزيادة الفقر في المجتمع وظهور طبقة غنية تستأثر بقسم كبير من الدخل القومي، وهذا بدوره يؤدي إلى تفسخ الجانب الاجتماعي وزيادة البطالة والأمية والجريمة، وبالتالي الانهيار الثقافي. وهذه النتائج بدورها تؤثر بأشكال مباشرة على العملية التربوية والتعليمية وتزيد الأزمة في النظم التعليمية.
إضافة إلى المناهج المدرسية التي تعتمد التلقين والببغاوية في الحفظ «البصم»، وتنأى كلَّ النأي عن المحاكمات العقلية، والقياس والمنطق، وكذلك أسلوب الامتحانات الذي يدخل الرعب في قلوب الطلاب والأهالي.
قرارات التربية المرتجلة ومشاكلها المستعصية
اتخذت وزارة التربية في سورية كونها المعنية بدفع العملية التربوية نحو الأمام، منذ سنوات، قرارات كان تشي بالتعجل والارتجالية في الكثير منها، مثل تثقيل المواد الأجنبية الذي طبق لسنة واحدة فقط، ولم يعمل به فيما بعد، إضافة إلى الارتباك الواضح في إدخال مادة اللغة الفرنسية لمنهاج الشهادتين، دون أن يتعرف معظم الطلاب على ما ينجحهم في كليهما، وخاصة الطلبة الأحرار الذين طولبوا بتقديم المادة المضافة، وهذا مازاد من أعباء الأسر السورية التي استنجدت وعلى نطاق واسع بالمدرسين الخصوصيين. ومن الأخطاء الفاحشة التي ترتكبها وزارة التربية سنوياً ورود أخطاء علمية في أسئلة الامتحانات، وأخطاء طباعية وإملائية ونحوية في أوراق الأسئلة، وصعوبة بعض الطلبات التي يعجز عن حلها المدرّسون المتخصِّصون، فما بالك بالطلاب غير المؤهلين جيداً؟!
إن مشكلات وزارة التربية كثيرة، ويبدو أنها في الكثير من قراراتها تتقصد إصدار القرار دون متابعته على الأرض.
إعلان حرب على الملخصات المدرسية
اتخذت وزارة التربية قبل مدة قرارها «الصائب حقاً» من حيث الشكل والمضمون بمنع إعداد ملخصات الكتب المدرسية والمسائل المحلولة والترجمات التي لها علاقة بالكتب المدرسية وطباعتها وتوزيعها.. وذلك نظراً للأثر السلبي على مردود الطلاب وعدم التزامهم بمضمون الكتاب المدرسي المقرر .وأكدت الوزارة ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب المكتبات والمتعاونين معهم في إعداد وإصدار ونشر هذه الملخصات في وقت تعج أغلب، إن لم نقل جميع مكتبات سورية بهذه الملخصات.
وبالمقابل فإن بعض المدرسين وموظفي المؤسسات التعليمية يقومون بابتزاز الطلاب بالتعاون مع بعض المكتبات، حيث يصر هؤلاء على إجبار الطلاب على شراء الملخصات. والحقيقة أنه من غير المفهوم تأخر التربية كل هذه السنوات، وغضها النظر عن هذه الملخصات التي تعج الكثير منها بالأخطاء الطباعية، إضافة للأخطاء التي يرتكبها بعض الزملاء في الإجابة الدقيقة عن بعض الأسئلة.
إذاً: ثمة حلول كثيرة للعملية التربوية في سورية، من ضمنها مراجعة شاملة وإعادة النظر لسياسة المناهج التربوية بحيث تلائم الثورات العلمية التي تحدث كل يوم من حولنا، وكذلك ينبغي الاهتمام بوضع المدرس باعتباره عصباً أساسياً في إنجاح العملية التربوية برمتها. من جانب آخر يفترض توفير المكان المناسب، فمن غير المعقول أن يجلس التلميذ مرتعداً من البرد بسبب عدم وجود زجاج للنافذة.
ويبدو أن الفضائية التربوية لم تحقق المأمول منها، فمازالت برامجها تقليدية، وليس منها جديد مرتجى، والمئات من الطلاب لم يسمعوا بها، وقد قيل إنها ستتكفل بإقصاء المدرسين عن (رزقة) الدروس الخصوصية، وما إلى ذلك، بيد أن شيئاً من هذا لم يحصل، والذي يحصل أن قرارات غزيرة تصدر من التربية التي تحوم حول المشكلة دون أن تتسلح بدافع الشجاعة لإنجاز عملية تربوية صحيحة على مستوى التحديات التي نُحَاصَر بها على الدوام.