العطش يطال جيران الفرات أيضاً!!
... من يتصور كميات المياه الكبيرة التي تضيع هدراً من نهر الفرات؟! ومن يتصور أن عدداً كبيراً من المواطنين الذين يعيشون على ضفاف هذا النهر «عطاش»، في الوقت الذي تستعد فيه كثير من الدول لحل مسألة الأمن المائي، وتشن حروباً من أجل ذلك..
... قد يبدو هذا الكلام مثيراً.. وربما غير قابل للتصديق.. لكن الوقائع تبين مدى المعاناة الكبيرة للمواطنين.. وقد نتقبل أن المواطن في دمشق وريفها يعاني من شح المياه، والسبب طبعاً ليس «الطبيعة» والجفاف، كما يحاول كثير من المسؤولين تبرير ذلك، وإنما الاستجرار العشوائي للمياه إلى آبار مزارع الكبار، وكبار الكبار، ومن حولهم..ولكن على نهر الفرات.. تختلف المسألة..
ولا شك أن بدء مشروع جر مياه الفرات إلى نهر قويق في حلب خطوة إيجابية جاءت بعد مطالبات عديدة.. لكن من حقنا أن نتساءل: لماذا لا يصغي المسؤولون إلى المطالبات المتكررة و المستمرة منذ سنوات لتغذية نهر الخابور من مياه نهر الفرات، لإحياء عشرات القرى،وتلبية الحاجات المائية لآلاف المواطنين، والأراضي الزراعية. ومنذ سنين أيضاً تستمر دون جدوى المطالبات بجر قناة مائية في بادية الفرات، على نمط قناة حمص وحماة، لري مئات آلاف الهكتارات من الأراضي البكر، والتي لو استثمرت لحققت ليس أمننا الغذائي فقط، وإنما لكان الفائض من إنتاجها كبيراً، يعادل النفط وأكثر، ولاستطعنا إيجاد فرص عمل لآلاف المواطنين. لكننا لا نستغرب ذلك من الطاقم الاقتصادي ومن وراءه، والسياسة الاقتصادية المتبعة.
إن الوضع في محافظة دير الزور يعجُّ بالمفارقات الغريبة العجيبة. منها أن أهالي حي «الجدمة» في قرية البغيلية، وهي من ضواحي مدينة دير الزور، والبالغ عددهم حوالي 300 مواطن، يحلمون أن تصلهم المياه، ومنهم من يظل ساهراً طوال الليل ينتظرها، وقد مضى عليه أكثر من عشرة أيام وهو على هذه الحالة. رغم أن المحطة الرئيسية لتصفية مياه دير الزور غير بعيدة.. ورغم شكاويهم.. ورغم توسط أحد المسؤولين السياسيين في المحافظة، الذي أجابه مدير مؤسسة مياه دير الزور: (تابعنا، والمياه واصلة)، وقد قال لنا أحد المواطنين: (يومياً أسهر وأنتظر، لكن «قربة» مؤسسة مياه دير الزور مقطوعة، مهما نفخت فيها لن تحصل على نتيجة، فأضطر لشراء المياه من الصهاريج بمبلغ 500ل.س، وهي مياه غير صحية ومليئة بالطحالب.. لكن ماذا أفعل، هل أعود إلى الاستعانة بحماري للحصول على الماء من نهر الفرات؟ وحتى لو فعلت ذلك، فمياه النهر بلغت من التلوث حداً لا يمكن أن تصلح معه حتى لسقاية المزروعات والحيوانات. هل علينا أن نرفع مطالبنا إلى مسؤولين أكبر.. أو علينا اللجوء إلى أساليب غير قانونية، وغير أخلاقية.. وهذا مايبدو أننا ندفع إليه، لإفساد من بقي منا..)
فهل سيسمع محافظ دير الزور، وغيره من المسؤولين ذلك، أم أن مطالبنا ستذهب هباءً، كأننا ننفخ في قربة مقطوعة.. كما يقول لنا البعض.
رغم ذلك سنبقى نطالب بحقوقنا.. ولن يضيع حقٌ وراءه مطالب، فالمطالبة لها أشكال متعددة، ولا تقتصر على رفع العرائض، والكتابة في الجرائد، وهي على كل حال ليست مجرد نفخٍ في قربة مقطوعة كما يعتقد البعض.. ليعفوا أنفسهم من المسؤولية، أو لأنهم وقعوا تحت سيطرة اليأس.