اللحاق بالعولمة على حساب الاقتصاد الوطني قاطرة النمو عقارات وسمسرة وخدمات
ماذا يعني انعقاد المؤتمر الصناعي الثاني؟! وكيف بحث المؤتمر في أساليب تطوير الصناعة، إذا كانت الخطوات التي تتخذها الحكومة يومياً، تهدف إلى إنهاء الصناعة في القطاعين العام والخاص، والحد من الزراعات الإستراتيجية الهامة كالقطن والحبوب وفول الصويا؟! وكان الأجدى عقد مؤتمر للعقاريين ولمكاتب السمسرة في الاستيراد، حيث وصل عددها إلى 35 ألف مكتب، لأن قاطرة النمو لم تعد صناعية أو زراعية، بل أصبحت عقارية وخدمية بامتياز.
أمام هذا الواقع لم يعد مجدياً أن نتحدث عن إعادة دراسة العلاقة بين وحدات القطاع العام ووزارة المالية وعن حل التشابكات المالية وإعادة تقييم الموجودات الثابتة والمتداولة للوحدات الاقتصادية كافة، وعن إعادة تقييم المخازين، وتطبيق نظام التكاليف المعيارية، وعن الاستبدال والتجديد، ورصد الاعتمادات اللازمة، وعن إصلاح إداري، هذه مفردات انتهت مع الحكومة الحالية، القرارات تتخذ، وقد استطاع الفريق الاقتصادي الحكومي اللحاق بالعولمة ولكن على حساب تدمير اقتصاديات سورية.
التسارع الأخير:
قال علناً النائب الاقتصادي: إن العديد من المنشآت والشركات الصناعية سوف تغلق أبوابها بعد اتخاذ قرار رفع أسعار المحروقات، وبعده كشف وزير الصناعة بأن قانون إصلاح القطاع العام لم يعد موجوداً، وأن قطاع الغزل والنسيج في سورية ليس قطاعاً استراتيجياً، وإن حاجة القطاع العام والخاص من القطن سنوياً تبلغ 575 ألف طن، وأن أي إنتاج زائد عن هذه الكمية هو عملياً غير مجد من الناحية الاقتصادية، وإذا تم حساب استهلاكه للمياه وما سيدفع حالياً للفلاح، حيث وصل ثمن الكيلو إلى 41 ل.س بعد التسعيرة الأخيرة، عدا مزارعي الحسكة، حيث سيدفع لهم ثلاثة آلاف ل.س للدونم، لافتاً إلى أن ثمن كيلو القطن وفقاً لحسابات المؤسسة 14.40 وعملياً هذا الفرق في السعر هو دعم لكيلو القطن، وأضاف أن توجه الحكومة أن لا تنتج أكثر من الحاجة، وأن يكون التوجه مستقبلاً إذا كان هناك إمكانية لاستيراده بشكل أرخص سيتم بالفعل استيراده.
هل هناك صراحة أكثر من ذلك؟!! فاتورة علينا دفعها: نخسر في زراعة القمح، ثم في زراعة القطن، ونخسر فوق كل ذلك في النفط، ونخسر حتى في تعبئة المياه المعدنية.
ماأزال أذكر المستثمر الذي أقام منشأة في خربة الحمام في حمص للعصائر والمشروبات، وقد حفر بئراًَ، والتحاليل أثبتت أن المياه معدنية، وطلب مشاركة الدولة في التعبئة، وقيل له استورد من الأردن أو من الإمارات، وأنا هنا لا أحمل وزير الصناعة مسؤولية الانهيار، ولكن يتحملها الفريق الاقتصادي بكامله، وخصوصاً وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة المالية، التي تُسارع في قراراتها للحاق بالعولمة على حساب التنمية والوطن، دون دراسة النتائج والمنعكسات.
وزارة المالية عملت بالتناغم مع وزارة الاقتصاد على تخفيض الإنفاق الاستثماري وتراجعه من موازنة إلى أخرى. ومن يطلع على موازنات السنوات الأخيرة يكتشف تغييراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام، انعكس سلباً على إمكانيات خلق فرص عمل، رافق ذلك انخفاض إيرادات الموازنة، وتراجع إنتاج النفط، وتخفيض الرسوم الجمركية، وانخفاض معدلات الضريبة على مطارحها المهمة، مع عدم قدرة القطاع الخاص، في وضعه الراهن وطبيعة رساميله وهياكلها ومصادرها، على ردم الفجوة الاستثمارية.
حوارات ولكن لماذا؟
تسأل الحكومة في لقاءات حوارات مناقشات، وتقدم برامجها، ثم تتخذ القرارات المعدة سلفاً، وقد خلق هذا الواقع يأساً لدى أكثر القيادات النقابية والقواعد العمالية، وأوجد انعكاسات خطيرة جداً، ولكن هل هذا هو المطلوب.
سؤال طرح على بعض القيادات النقابية!!!
ـ جمال القادري رئيس اتحاد عمال دمشق، قال: «الواقع اليوم إن الصناعة السورية في القطاعين العام والخاص تواجه تحديات كبيرة جداً، ناتجة بالنسبة للقطاع العام عن غياب أية إرادة جدية للإصلاح، سواء الإداري أو الفني.. وأن معظم الشركات تعاني من ضغط كبير، قدم خطوط الإنتاج، بطء الآليات الإنتاجية نتيجة آلية العمل المعقدة.. غياب المبادرة، والروتين القاتل الذي تدار به هذه الشركات. ومن جهة أخرى تواجه الصناعة السورية بشقيها العام والخاص منافسة غير متكافئة وغير نزيهة، مع المنتجات المماثلة، من خلال إغراق السوق نتيجة تحرير التجارة، في أعقاب سريان اتفاقية التجارة العربية الكبرى. وبدءاً من عام 2005 ارتفعت تكلفة المنتج السوري مع زيادة الهدر، ووُضعت مؤسساتنا أمام تحديات كبيرة، أبرزها تحدي العمل بمعايير اقتصادية بحتة، بعد أن كان الجانب الاجتماعي، ولفترة طويلة من الزمن، هو الغالب على الأداء. أيضاً في القطاع الخاص تحديات كبيرة أثرت على القدرة التنافسية، زيادة في التكلفة من وقود إلى ماء وكهرباء وقوى محركة».
ـ وما هي الحلول الإسعافية أمام هذا الواقع؟
ـ إن الحل بالنسبة للقطاع العام الصناعي يبدأ من إصدار قانون إصلاح القطاع العام، الذي تضمن في بنوده إحداث مجلس أعلى للإصلاح وصندوق لتمويل الإصلاح، ونرى أن التمويل يجب أن يكون من إيرادات الخزينة العامة، باعتبارها كانت تستنزف فوائض هذا القطاع، وجزء آخر من أرباح المؤسسات الخدمية والصناعية الرابحة، والجزء الثالث يمكن أن يمول من حصيلة تسييل بعض الأصول غير المستثمرة لدى الشركات نفسها، والأبرز توفر الإرادة للحل، وأن نعمل بوضوح، ويجب البدء بدراسة واقع كل شركة ومؤسسة على حدة، وتشخيص أمراضها ووضع الخطط الكفيلة بالإقلاع بها.
الصناعي وحدة متكاملة:
ويعتبر القادري بأن القطاع الصناعي وحدة متكاملة في العام أو الخاص ويتساءل: لماذا لا تطبق على العام كل الإعفاءات والتسهيلات المطبقة على الخاص؟ ويرى ضرورة حماية الصناعة الوطنية في القطاع الخاص، ويتساءل: لماذا لا يستفاد من الاتفاقيات الموقعة؟ وبعضها يحمل ميزات، ومنها التدقيق في شهادات المنشأ للسلع التي تدخل الأسواق على أساس أنها منشأ عربي وهي بنسبة 40 %، وهذا لا يحتاج إلى الكثير من العناء لنرى أنها مصنعة في دول أجنبية، إضافة إلى دعم الصناعات الإستراتيجية التي تخلق قيمة مضافة كبيرة وتؤمن فرص عمل.
القطاع العام.. ولكن:
ـ عرفان كلسلي أمين فرع حزب الاتحاد الاشتراكي بدمشق: «نحن ندافع عن القطاع العام، ونحميه بواقعه الحالي، وهذا يعني بكل وضوح أننا نحمي من سرق ونهب القطاع العام، القضية هي الإدارة. الوزير، أي وزير، لا يستطيع أن يقف بوجه المدراء الذي ينفردون بقراراتهم، والذين أوصلوا القطاع العام إلى ما وصل إليه، ونتساءل: هل تم تسخيرنا للدفاع عن الحرامية؟ إن الاستثمارات القائمة 65 % منها في الخدمات، وهذه لا تخلق فرص عمل، لذلك معدلات البطالة ارتفعت، معدلات التضخم ارتفعت، ومعدلات الفقر زادت.
وأرجع للإدارات وأقول إن بعض الإدارات تتصرف بالمنشأة تصرف المالك بملكيته، وبأسلوب سلطوي ساعد على تفاقم الخلل والتسيب، وأصبحت المصالح الخاصة هدفاً محل الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والوطنية، من خلال العمل الفردي، وقد أدى هذا إلى ضرب القطاع العام وهدر المال العام».
ـ وكيف تكون النقابات أكثر فعالية؟ فأجاب: حق الإضراب!!
قرارات وقرارات:
ـ النقابي رفيق ضاهر «شيوعي النور»: «جميع القرارات الاقتصادية تصب في اتجاه الانفتاح واقتصاد السوق، وتحرير التجارة، والتمهيد لمزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي. الحكومة تصدر القانون تلو القانون، والقرارات تلو القرارات، في تسارع مذهل، والقطاع الخاص بكل فئاته، وخاصة كبار التجار والطفيليين، يضغطون وينشطون ويحققون المكاسب تلو المكاسب، من خلال التسهيلات والإعفاءات، وفي المقابل وبالقدر الذي ترتفع الأسعار، تزداد البطالة ويتدنى مستوى الخدمات، وترتفع الشكاوى، وخاصة في أوساط النقابات العمالية والمزارعين الصغار وفئات شعبية كادحة.
البطالة، تراجع الأجور، الفساد وتفاقمه، ارتفاع مستلزمات الإنتاج، قضايا لا تشغلنا نحن فقط وإنما تشغل قطاعات الشعب بكامله.
ولكن إلى أين؟
النائب الاقتصادي يقول: إن دول العالم تمر في الإصلاح الاقتصادي، وتعاني من تقليص الخدمات، على حساب التنمية البشرية، ونحن في سورية نعمل على تحسين التنمية البشرية، ولم نتراجع عن تقديم الخدمات، وهناك عدالة في توزيع الدخل.
والسؤال موجه إلى جميع فئات الشعب في سورية: هل هنالك فعلاً تحسين في التنمية البشرية؟! وهل فعلاً هناك عدالة في توزيع الدخل؟!!