قرارات غير مدروسة.. والناس يدفعون الثمن!
مشكلة قد لا يعرفها سوى الذين يعانونها بانتظام يومي لحدٍّ أصبحت معه تشكل جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحياة السوداء وما أكثرها، فبعد أن قامت محافظة دمشق بتحويل خط سرفيس (ضاحية قدسيا/دمشق) وإبعاده بحجج مختلفة عن ساحة قدسيا التي تشكل سوقاً يلجأ إليه أهل المنطقة عموماً، بات سكان الضاحية الفائض عددهم عن 20 ألفاً (أكثرهم من ذوي الدخل «المهدود») على موعد مع العزلة وشح الموارد، إذ لا سرفيس يقلهم من مساكنهم إلى سوق قدسيا إلا بالترجي!!.
استمرت الحال هكذا نحو الشهر قبل أن تتنبه المحافظة إلى ما أصاب السكان من سوء تداعيات هذا القرار، واستفاق بالتالي صناع القرارات غير المدروسة فيها على خطئهم، فقاموا بإلزام عدد محدد من السرافيس لتخديم الخط القصير (الضاحية/ قدسيا)، لكنهم حددوا حينها تعرفة الركوب بـ (10 ل.س) على خط لا يتجاوز طوله كاملاً أربعة كيلومترات، وهذه التعرفة الكبيرة دفعت بالكثير من أصحاب السرافيس إلى التدافع نحو العمل على هذا الخط كونه يحقق لهم ربحاً إضافياً مقارنةً بما يحققه الخط الأم (ضاحية قدسيا/ دمشق)، فتحسنت الحال وأصبح لكل مواطن في الضاحية سرفيس يقله من وإلى بيته على مدار الساعة!.
إلا أن كثرة التخبط و«التخبيص» في قرارات المحافظة (التي يبدو أنها لا تبنى على أية دراسة أو أدنى دراية بأحوال المعاش)، ساهمت في إعادة المشكلة «المحدثة» إلى الحياة، فما لبث الناس أن اعتادوا على توفر المواصلات، حتى قامت المحافظة بتخفيض تعرفة الركوب في هذا الخط لتصبح 5 ليرات فقط، وفي المقابل، فإنها لم تقم بإلزام أصحاب السرافيس باستمرار تخديم الخط، بل تنحت تماماً فاسحةً المجال أمام أصحاب السرافيس (الذين يصح هنا وصفهم بالطماعين) لمعاودة العمل على الخط القديم بغية تحسين أرباحهم (وهي للإنصاف ضئيلة جداً)، فأدى ذلك إلى خلق فجوة مواصلاتية بين الضاحية وأمها قدسيا لا يشعر بمرارتها سوى أولئك المصلوبون في الساحة المحملون بأكياس الخضار الذابلة بانتظار سرفيس ضيق ليحمل عنهم بعضاً من تعب النهار، إذا استطاعوا إليه سبيلا..!!
إن السبب الأول والأخير في ما يعانيه سكان ضاحية قدسيا اليوم للحصول على حق بسيط كحق التنقل بين مساكنهم والسوق التي تؤمِّن لهم معظم حاجياتهم الأساسية من الكلأ وغيره؛ يمكن إرجاعه بكل بساطة إلى ذلك التخبط الذي يهيمن على صناعة القرار في محافظة دمشق وبلدياتها في المناطق والمدن، وإلاّ فإنه يبقى «لغاية في نفس يعقوب» قد تكون دفع الناس للانشغال بتنافسهم على المقاعد في السرافيس للفت انتباههم عن قضايا أخرى تمس شؤوناً أكبر من يومياتهم.. وما أكثرها!!
وعليه، فإن على محافظة دمشق، وكل من يتحمل مسؤولية إقرار ما به للناس شأن، أن تقوم بدراسة قراراتها قبل أن تطلقها على الملأ، فبغير ذلك تكون قرارات المحافظة ضد مصلحة الناس لا لمصلحتهم، «وفهمكم كفاية»!