برسم محافظ حماة والشرفاء في الوطن: دائرة الفساد تطال الجمعيات الفلاحية

«ما اغتنى غني إلا من فقر فقير». هذا القول صحيح، فهل يصح قول «ما اغتنى مسؤول، وما أثرى موظف من ذوي الدخل المحدود إلا بسرقة الكادحين ونهب الوطن».. لتكون المحاكاة المعاصرة للقول المأثور ما اغتنى مسؤول إلا بفقر مواطنيه؟!!

تحدثنا كثيراً عن تدميرٍ القطاع الزراعي وتجويع الفلاحين، وعن تصحر الأراضي الزراعية وتلوث البيئة، وعن قتل القطاع العام وتصفية شركاته، وأشرنا إلى الفساد في تنفيذ مشروع الصرف الصحي، وانتقل رئيس البلدية بما كسب إلى مرتبة أرقى دون مساءلة، ومن قبله ذهب المتعهد إلى مشروعٍ أكثر ربحاً وسلباً، بعد أن جمع أموالاً طائلة من مخالفات البناء، فالمشروع هذا خرب قريتنا وتشققت جدران منازلنا، وبعضها صار يشكل خطراً على ساكنيه، ورغم أن الطريق العام أعيد تعبيده أكثر من مرة، طبعاً على حساب الدولة، ومازال يخسف، وغرف التفتيش تتهدم ويعاد إصلاحها، لتتهدم من جديد، حتى صارت مصدر رزق لبعضهم.

أما أمين مستودع الأعلاف فقد كلفته اللافتة التي كتبت عليها جملة «هذا من فضل ربي» التي نقشت على واجهة قصره الرخامي مبلغاً من المال يكفي إطعام أسرة لأكثر من عام كامل، ولم يسأله أحد: «من أين لك هذا؟»..

وهذا رئيس جمعية فلاحية ينثر النقود على رؤوس الراقصات بعد أن نهب مستودعات الجمعية جهاراً نهاراً، وآخر يحول الأسمدة والبذور إلى مستودعات التجار فور استلامها من المصرف الزراعي.

هذه الأصوات تسربت عبر شقوق طرقات المناطق المهملة في قرانا المنسية كالطريق الذي شق وسط سهل الغاب ممتداً لعشرات الكيلومترات، وتشقق بعد تسليمه بأيام قليلة.

كل أهالي الغاب يتحدثون عن مشرف على جمعية فلاحية، عنده ثلاثة أعياد إضافية خاصة متزامنة مع نهاية كل موسم (القمح والشوندر والقطن) يلعق فيها دماء الفلاحين ويسرق تعبهم، ثم يتحدث بعد ذلك مع نديم له في إحدى جلسات السمر ويسأله: «كم رأساً لديك؟» ويعني كم هو عدد أعضاء جمعيتك الفلاحية. فيجيبه عندي 297، ولكن ليس المهم هو العدد بل طبيعة الناس هل تواجه صعوبة بالتعامل معهم؟ هل يطلبون مفردات الحساب؟ هل يدققون على كسور الخمسمائة؟ أما أنا فاشرف على جمعيتين والناس بعيدون عن أراضيهم، وفي نهاية كل موسم أركب سيارتي وأحاسبهم في بيوتهم فتندس الألوف في جيبي كتجار المافيا.   

سألت أبا محمد عند خروجه من باب الجمعية: كم سرقوا منك (خوة)؟ أشار إلي بثلاثة أصابع يعني 300 ليرة، أما الآخر الذي كان بصحبته أجاب عن السؤال نفسه: لست أدري، كل واحد يأخذ نصيبه».

أما المزارع (ي م) المستعد للشهادة، فقد قال: «أنا عضو في جمعية الرصيف، حسموا مني مبلغا أظن أنه أكثر من 300 ليرة سورية بلا أي مبرر أو تفسير، عليك أن توقع بصما قبل معرفة حسابك أو استلام المبلغ وتستلم ثمن محصولك بلا إيصال نظامي، والفاتورة يكتبها لك مشرف الجمعية على ورقة خارجية إذا ألححت بالطلب، وأنك لن تستطع مهما فعلت أن تعرف من هذه الورقة سوى المبلغ الذي استلمته». بعد فترة تبين أن قيمة الفاتورة الصافي للدفع بعد الحسم المستحق هو 73741 وإن المبلغ الذي تسلمه المزارع هو 73300 ليرة سورية ليكون المبلغ المقتطع أو المختلس هو بالضبط 441 ليرة سورية.  

إن الفاسدين الكبار يصبحون قدوة ومثالاً للصغار منهم، وهذا مردّه إلى غياب الديمقراطية، وسيادة التضليل، وترابط مصالح الناهبين في ظل هرمية الفساد. وإن هذا الإسراف بالنهب للمواطن والوطن وهذه القسوة والإمعان في السلب هي من علامات اللحظة الأخيرة في عمر الفاسدين.