أجانب في وطنهم!! عندما ينجب «الأجنبي» ابناً

من كان يتوقع أن تدوم هذه المأساة طيلة كل هذه السنين من دون أن تلقى حلاً ناجعاً رغم كل النداءات والتوسلات وسيول الكتابات عن هذا الموضوع، ورغم آلاف الوعود التي ذرتها الرياح من السلطات، ابتداء من المحافظين الذين تعاقبوا على محافظة الحسكة وانتهاء بأعلى هرم في السلطة

وقد كان المواطنون « الأجانب» قبيل كل سنة ينتظرون فرجاً، ويمنون أنفسهم بحل لمشكلتهم التي استعصت على كل حل، ولكن السأم واليأس سرعان ما كان يدب في نفوسهم التي ملّت من الانتظار، حتى أن الكثير الكثير منهم وقع في أحابيل النصابين والمحتالين الذين ضحكوا عليهم مستغلين ظروفهم النفسية السيئة، وتعلقهم بوهم وسراب أمل كاذب.

الآن ومن دون أية بارقة أمل في المنظور القريب تطوي هذه المأساة الإنسانية صفحتها السادسة والأربعين، هذه المأساة التي أدخلت الخراب والدمار والحزن إلى قلوب كثيرة، بسبب ذلك الإحصاء الاستثنائي البغيض الذي جرَّد عشرات الآلاف من أهالي محافظة الحسكة من جنسيتهم السورية، ولا يزال المواطنون «الأجانب» يعيشون معاناتهم اليومية جراء هذا الإحصاء الجائر، ولعل ما يلاقونه من مشاكل أثناء تسجيل أبنائهم في السجل المدني هو من أهم علامات تلك المعاناة. 

تبدأ محنة المواطن «الأجنبي» المتعثر والمغلوب على أمره، والذي لا حول ولا قوة له، منذ أن يرزق بمولود جديد، وبدلاً من الفرح والحبور تنطلق رحلته الطويلة مع الروتين الممل، بدءاً بختم الولادة من المختار والطبيب، مروراً بالطوابع والأوراق والتقارير الطبية ذات الثمن الباهظ، وصولاً إلى إجراءات ديوان المحكمة والسجل المدني.

  وبعد أن يتم «الأجنبي» ذلك الجهد الجهيد، يرفع موظف الديوان رأسه ليخبره دون خجل أو حياء، بأن عليه أن يدفع مبلغ «250»ل.س، بحجة أنها ثمن طوابع ورسوم المحكمة، ومن ثم يتم تبليغه بأن موعد جلسته قد حدد بعد خمسة عشر يوماً، وفي اليوم المحدد لجلسة المحكمة، يأتي «الأجنبي» معطلاً كل أعماله والتزاماته، وبصحبته الشهود الذين بدورهم تعطلوا عن أعمالهم ووظائفهم، ليتفاجأ بأن جلسته قد أجِّلت إلى موعد آخر، وعليه أن ينتظر أسبوعاً آخر أو أكثر، فإذا تصادف التأجيل مع العطلة القضائية فإن انتظاره سيطول لشهر أو أكثر حتى يحصل على قرار المحكمة، وهنا عليه أيضاً أن يدفع مبلغاً «محرزاً» من النقود.

وبذلك يكون الموظف قد استولى على جيب «الأجنبي»، وبعد الخلاص من مطرقة المحكمة يقع المواطن تحت رحمة سندان دائرة النفوس، ففي البداية يحول إلى مديرية المالية، وما أدراك ما مديرية المالية، حيث يضطر «الأجنبي» إلى دفع غرامة لتسجيل الولادات القديمة، وهي غرامة كبيرة تقصم ظهره، فالمعاملة المؤلفة من «10» ولادات فوق سن «14» سنة تلزم المواطن بدفع مبلغ «40000» ل.س، ولا يستطيع «الأجنبي» حتى معارضة الغرامة أو الامتناع عن دفعها، لأنهم يقولون له وبكل بساطة: «نحن ننفذ تعليمات تعميم وزاري».

 وبعد كل ذلك يعود «الأجنبي» المنهوك إلى السجل المدني، فيطلب منه إحضار الأولاد إلى مركز الشرطة للمشاهدة وكتابة الضبط، وعلى مبدأ «ما في حدا أحسن من حدا» يقوم رجال الشرطة أيضاً أثناء تحقيقهم بالاستيلاء على ما تبقى في جيبه، إن لم تكن النقود قد تبخرت منها أصلاً. وفي الحالة التي تكون فيها الزوجة مواطنة والأب «أجنبي»، يلزم الطرف الأجنبي «الزوج» بضرورة الحصول على إخراج قيد فردي أحمر لإرفاقه بالمعاملة، وترفع المعاملة إلى الداخلية والأمن السياسي.

وحتى تأتي الموافقة من الجهتين، والتي قد تطول إلى ثلاثة أشهر أو حتى سنة، يبقى «الأجنبي» كل هذه الفترة في انتظار معاملته ويتحسر على شبابه الذي قضاه عازباً، ويتمنى من كل قلبه لو أنه لم يتزوج، وينصح الآخرين بعدم الزواج لكي لا يخلفوا صبياناً أو بناتاً، ولا يروا ما رآه بعينيه من روتين ممل، وحزمة تواقيع متكررة، وملفات وأضابير مغبرة.

وآخر ما ننهي به هذا المقال هو الطرفة التالية، راجين من الأحبة القراء عدم القهقهة، فالمواطن الذي يرق قلبه تجاه فتاة لا تحمل الجنسية السورية، ومحسوبة في خانة «الأجانب» في وطنها، عليه أن يدفع غرامة مالية جراء فعلته « الشنعاء» تبلغ 950 ليرة، بجرم الزواج من أجنبية!! أيُخالف المواطن حتى على مشاعره؟ عجبي !!

 

آخر تعديل على الأربعاء, 10 آب/أغسطس 2016 13:22