ملف المصالحات باب واسع للابتزاز... تورط شبكات من المتنفذين والمحامين وكل «خدمة بسعر»!
«الغريق بيتعلق بقشة»، انطلاقاً من هذا المبدأ تقول «أم نزار» أنها بقيت تطرق الأبواب كلها التي يقال أنها قد تؤدي إلى ابنها المفقود، حتى حطَّ بها المطاف مؤخراً دون «نزار» أو أملاك، كونها خسرت ما تملك كله لتدفع للوسطاء مايطلبون مقابل «جهودهم»!.
حازم عوض
تقول أم نزار وهي مهجرة من دوما بريف دمشق، إنها فقدت ابنها في يوم من الأيام وسط دمشق، وبدأت رحلة البحث عنه عبر مخافر الشرطة والمشافي دون جدوى، وتابعت «حينها، بدأ البعض يدلني على أشخاص عاديين قيل أنهم من ذوي النفوذ أو على معرفة بأشخاص نافذين في الدولة، وقادرين على معرفة مكان ابني إن كان موجوداً في أحد الأفرع الأمنية» على حد تعبيرها.
كل «خدمة» بسعر!
أم نزار قابلت عدة أشخاص وكل شخص كان يضع رقماً مقابل «خدمة» معينة، وتقول «أحدهم طلب مني مبلغ 250 ألف ليرة سورية لمعرفة مكان ابني فقط، وجلب علامة منه إن كان على قيد الحياة، أو إنه فارق الحياة، وطبعاً دون أية ضمانات سوى الاتفاق الشفهي».
وأردفت «مرت أشهر وفي كل يوم كان هذا الشخص يضع حجة مختلفة، وفي النهاية قال لي إن ابنك غير موجود بأي فرع من الأفرع الأمنية، وقد يكون مخطوفاً لدى المسلحين».
وتابعت «الأشخاص الذين قابلتهم جميعاً، قالوا إنهم وسطاء، وهناك أكثر من شخص آخر يحصلون على جزء من الملبغ المطلوب لقاء إتمام الخدمة كما يسمونها، وأن استرجاع المبلغ عند الفشل شيء مستحيل»، أي أن العمل بهذا المجال يعتمد على شبكات ووسطاء.
دون جدوى!
لم تتلقَ أم نزار أي اتصال هاتفي طالب بفدية لقاء الإفراج عن ابنها، ولم يتعرض نزار مسبقاً لأي تهديد، مايبعد قضية الاختطاف عن الواجهة على حد قولها، وبعد عدة لقاءات بين الأم وأشخاص يشبهون الشخص الأول دون نتيجة، لجأت إلى وزارة المصالحة، لكن دون نتيجة أيضاً.
في نهاية المطاف، لم تصل أم نزار لدليل واحد حول حياة ابنها ومصيره بعد أن دفعت أكثر من مليوني ليرة سورية للوسطاء «النصابين» كما نعتتهم، لكن في المقابل، وصل «أبو ع» وهو أيضاً نازح من دوما، إلى مصير ابنه «ع» بعد التواصل مع عدد من الأشخاص والمحامين الذين ذاع صيتهم بهذا الصدد، حتى استطاع أحدهم فعلاً أن يصل إلى مصير ابنه مقابل مليون ليرة سورية فقط!
يقول «أبو ع» أنه استطاع الوصول إلى أحد المتنفذين، والذي استطاع بدوره أن يصل إلى ابنه ويعطي له علامات تؤكد أنه على قيد الحياة، وليس هذا فحسب، بل سرع من عملية محاكمته عبر محامين شاركوا بالقضية، على حد تعبيره.
ابتزاز..!
كثير من القصص التي يمكن سماعها عن المفقودين أو المخطوفين أو السجناء. والوسطاء الذين يعملون بهذا الصدد في الخفاء كثر، وأيضاً أولئك الذين يعملون علناً مستغلين نفوذ ما، لكن في النهاية عملهم يندرج تحت بند «الابتزاز» طالما هناك مبلغ مالي يتم التفاوض عليه بين الطرفين لقاء حاجة ملحة لدى الطرف المتضرر.
مصدر في القصر العدلي بريف دمشق، أكد لـ «قاسيون» «أنه «هناك كثير من المراجعين الذين يترددون إلى هنا لمعرفة إن تم تحويل أشخاص يهمونهم إلى المحاكمة، ويؤكدون بكل صراحة أنهم دفعوا لمحامين أو أشخاص معينين مبالغ مالية لإدراج أسماء أبنائهم ضمن المصالحات وتحويلهم إلى القضاء لتتم محاكمتهم».
وتابع المصدر «فعلاً، هناك بعض المحامين يعلمون أنه سيتم تحويل الشخص المطلوب إلى المحاكمة خلال مدة معينة، وعلى هذا الأساس يقومون بالتواصل مع أقاربه لابتزازهم عبر وسطاء، وهناك أشخاص آخرون يقومون بمماطلة الأهالي بين أخذ ورد ومنحهم مهل مختلفة بحجج مختلفة، لتستمر عملية الابتزاز ريثما يحول الشخص أوتوماتيكاً إلى المحاكمة».
هكذا تورط المحامون
نقيب المحامين السوريين ورئيس لجنة الحريات وحقوق الإنسان بمجلس الشعب نزار سكيف اعترف بوجود محامين ابتزوا مواطنين حول موضوع المصالحات عن طريق وعد أسر الموقوفين والمسلحين والمفقودين بحل مشاكلهم مقابل مبالغ مالية.
سكيف يرى أن الأسلوب الذي اتبعه المحامون مع أولئك يعتبر «احتيالاً وابتزازاً حقيقياً مخالفاً لقيم المهنة وقوانينها»، مضيفاً «بعد تورط بعض المحامين بالإبتزاز المالي أصدرنا تعميماً لإيقاف وكالات المتابعة، فلم يعد يستطيع المحامي أن يكون وكيلاً لتسوية وضع مسلح عبر ذويه، فالوكالة تكون من صاحب العلاقة فقط، ولا يمكن أن يكون المحامي أيضاً وكيلاً للبحث عن مفقود، بينما تنحصر مهمته بالمرافعات في المحكمة».
وأضاف سكيف في حديث إذاعي، أن عقوبة المحامين المتورطين تندرج من التنبيه إلى الشطب النهائي من النقابة، مؤكداً توقيف أحد المحامين مؤخراً متلبساً قرب إحدى المحاكم وهو يقوم بعملية ابتزاز لأحدهم.
وأكد سكيف أن المتورطين بهذه القضية من المحامين لا تتعدى نسبتهم 0.5% من محامي النقابة، وهو عدد قليل جداً وقد تم ضبط هؤلاء بعد الشكاوى، لكن قد يكون هناك المزيد ممن يمارسون الابتزاز دون علم النقابة.
أين وزارة المصالحة؟
وكان وزير المصالحة الوطنية علي حيدر قال مؤخراً، إن عمليات النصب والاحتيال تحت مسمى المصالحات انخفضت كثيراً مقارنة بالسابق وأن الشكاوى التي ترد إلى الوزارة بهذا الصدد أصبحت قليلة جداً مقارنة مع أوقات سابقة، وهنا قد يكون انخفاض عدد الشكاوى ليس دليلاً على قلة عدد عمليات النصب والاحتيال، بل دليلاً على فشل الوزارة بحل أمور الكثير من المشتكين، ماجعل من اللجوء إلى الوزارة لحل القضية في بدايتها أو نهايتها بعد وقوع عملية النصب، شيئاً غير مجديٍ.
حيدر أكد أن الوزارة ليست جهة معاقبة بل هي تحول إلى الجهة المخولة في المحاسبة، قائلاً «يتم تحويل كل شكوى ترد إلى الوزارة إلى الجهات المختصة للتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الموضوع»، أي أن اللجوء إليها فعلاً ليس مجدياً، فهي مجرد وسيط يمكن تجاوزه.
وحول المخطوفين، قال حيدر إن «عدد المخطوفين في سورية لم يتغير كثيراً ومازال في حدود 15 ألف مخطوف رغم أن هذا الرقم متغير كل يوم نسمع عن أشخاص خطفوا كما أن هناك أشخاصاً تحرروا».
شبكات استغلال
لقد بات جلياً أن هناك كثرة من المستفيدين على حساب معاناة الناس وآلامهم، حتى يمكن أن نقول أن بعض هؤلاء بات يشكل ما يشبه الشبكة بآليات عمله، اعتباراً من مساعي الحصول على بعض أسماء المختطفين والمفقودين والموقوفين والمعتقلين وغيرهم، والتحري عنهم وعن ذويهم في بعض الجهات العامة، مروراً بتصيد ذوي الحاجة من أهالي هؤلاء الذين نفذ صبرهم على مفقوديهم، وليس انتهاءً بوسائل وأساليب الابتزاز والسرقة الموصوفة، عبر المعلومات والوعود الكاذبة، والتي يقترن كل منها بمبلغ معين واجب الدفع والتسديد دون أية ضمانات.
ولعله من الجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من تلك الوسائل والأساليب الاستغلالية يمكن لها أن تسقط، عبر ممارسة بعض الشفافية من قبل بعض الجهات الإدارية أو القضائية أو الأمنية، حيث يمكن لهذا الشكل من الممارسة أن يوفر، على ذوي المفقودين أو الموقوفين أو غيرهم، الكثير من الجهد والعناء والمعاناة والابتزاز والاستغلال.
فهل هذا كثير؟.