ذوو الدخل المحدود بين الحيرة والغفلة... ونوايا الحكومة!!
يحتار المواطن المغلوب على أمره، المأخوذ على غفلة منه، والمُستثنى من الأخذ برأي له أو مشورة في كلّ ما يتعلّق بظروف حياته، بالقرارات التي تدبَّج وتصدر عن هذه الجهة أو تلك، حيث أنّه في سلّم الأولويّات يكون آخر مَن يهمّ، وأوّل من يهتمّ ويغتمّ، ذلك لأنّه المهمَل والمقصَى من دون أن يكون له ذنب سوى أنّه مواطن فقط، كأنّ هناك اتّفاقاً على عدم إراحة المواطن، وإبقائه دائماً في مأزق لا يعرف إلى الخروج منه سبيلاً.
ومن آخر فصول المعاناة التي يعيشها المواطن، تحول المراكز التي حددتها مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة، لمبادرة المسح الاجتماعي، إلى ساحات للفوضى والنزاعات بين المواطنين، فنظراً لظروف الجفاف التي مرت بها المحافظة، وارتفاع عدد الأسر الفقيرة، توافدت أعداد كبيرة من المواطنين إلى هذه المراكز، مما جعلها تشهد ازدحاماً غير مسبوق، بسبب فهم المواطنين الخاطئ لهدف المسح الاجتماعي، فالبعض منهم تصور أنه يهدف إلى تقديم معونات مادية ورواتب شهرية مقطوعة للمحتاجين، وقد تكوَّنت لديهم هذه القناعة بعد انتشار الإشاعات حول الموضوع في المحافظة، بسبب إعلان تلفزيوني غامض، لم يبيِّن الهدف الأساسي من هذه المراكز.
وقد أوضح محمد حسن بربهان، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في الحسكة، أنه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة، تم توقيع اتفاقية مسح قوة العمل على مستوى الأسر، من أجل رسم خطة مكافحة البطالة، واتخاذ القرارات المناسبة في ذلك الشأن، والاستفادة من الموارد المتاحة في سورية، لإيجاد سياسات شاملة للعمالة والتوظيف، وذلك بفتح أربعة مراكز موزعة في المحافظة (الحسكة، الشدادي، تل حميس، الجوادية) بإشراف خبراء للمسح الاجتماعي وباحثين اجتماعيين، والغاية من البرنامج هي المساعدة في تصميم وتطوير برامج وشبكات حماية اجتماعية لتلك الأسر التي تلاقي صعوبة في تأمين احتياجاتها الأساسية، وبلغ عدد الأسر التي تم تسجيلها حتى تاريخه أكثر من /3976/ أسرة .
وفي لقاء أجريناه مع السيدة إيمان يوسف عسيكرية، مديرة مركز تسجيل الحسكة، أكدت لنا أن هذه الدراسة تهدف إلى مسح الأسر الفقيرة لتأسيس نواة الصندوق الاجتماعي للمعونة الاجتماعية، من أجل النهوض بالمجتمع السوري واستغلال طاقات تلك الأسر في المجال المناسب والوقوف على حالات البطالة وأسباب ازدياد أعداد العاطلين عن العمل في المجتمع السوري، وذلك لاتخاذ الإجراءات اللازمة مستقبلاً لتفادي هذه المشكلة وتطويق آثارها السلبية.
ولكن إذا كان الهدف من عملية المسح الاجتماعي هو إنشاء قاعدة بيانات للأسر، فماذا بعد إنجاز هذه البيانات؟ وهل هناك إمكانية لتلبية كل الطلبات التي استقبلتها اللجان المكلفة؟ أم الأمر يقتصر على جمع معلومات وإنجاز المزيد من البيانات المتراكمة؟
لقد أدى الازدحام إلى حدوث الكثير من المشكلات والنزاعات بين المواطنين، و لو أن الغاية الحقيقية من هذه المراكز كانت واضحة للجميع منذ البداية لما حدث شيءٌ من هذا . ولذلك فقد كان من الأفضل تشكيل فرق تقوم بالذهاب إلى القرى المستهدفة في الدراسة، لإجراء هذا المسح، في نطاق عمل اللجان المختصة ميدانياً، وإمدادها بالآليات ووسائل النقل المناسبة، لتجنب كل إمكانية لحدوث سوء تفاهم.
«قاسيون» قامت بإجراء عدة مقابلات مع المواطنين المتجمهرين على أبواب المراكز المختلفة، لمعرفة ما يأملون حقاً من ذلك المشروع :
خانم دلف: «أنا أرملة تعيل عائلةً كبيرة، ونحن نعيش تحت خط الفقر، أتيت إلى هنا منذ أيام، لعلي أحصل على معونة مادية تساعدني قليلاً في تامين مستلزمات عائلتي، ولا استطيع حتى الوصول إلى الباب الرئيسي للمركز بسبب كل هذا الازدحام، ولا أحد هنا يقدِّر وضعنا نحن النسوة المسنات»
هادي عزت: «كل الموجودين هنا هم من العاطلين عن العمل، ومن الأسر المحتاجة فعلاً، ولولا الحاجة لما جاؤوا منتظرين دورهم لساعات طويلة، ونحن نعامل معاملة سيئة بسبب عدم تنظيم الدور، ويجب على عناصر الشرطة المتجمعين قرب باب المركز أن يفهموا أننا بشر ومواطنون في هذا البلد»
خاتون السلطان:«لدي عائلة مؤلفة من 9 أفراد، منهم أربعة أفراد معوقين بإعاقات مختلفة، وقد جئت للمركز منذ ثلاثة أيام، وأنا أنتظر دوري دون جدوى، نتأمل من الحكومة دراسة أوضاعنا المادية، ونعتقد أن الهدف من هذه المراكز هو توزيع معونات مادية أو غذائية، ولكننا نتعرض هنا للكثير من سوء المعاملة»
الكثير من المواطنين إذاً يرون أن المطلوب لتجاوز هذه المحنة هو تخصيص معونات إنسانية يحصل بموجبها الفقراء وذوو الدخل المحدود على احتياجاتهم الأساسية، لتخفيف آثار الفقر عليهم، وتهيئة سبل الحياة الكريمة لهم، وحماية المجتمع من تبعات فقرهم وعوزهم.
وفي الختام يحق لنا أن نتساءل: لماذا تأتي كل قراراتنا وتصرفاتنا على شكل ردود أفعال، أو إدارة أزمات للمشكلات التي تقع في مجتمعنا؟ ولماذا لم تستعد الجهات المختصة لمواجهة هذه المشكلات، وتهيئ نفسها للتعامل معها قبل أن تستفحل هذا الاستفحال المأساوي؟!