■ أنور أبو حامضة ■ أنور أبو حامضة

زراعة تبغ «الفرجينيا».. وداعاً!!

تعد زراعة التبغ في سورية زراعة إستراتيجية بكل ما للكلمة من معنى، فهي تشغِّل أعداداً كبيرة من الفلاحين والمزارعين، وتساهم في تزويد المعامل الوطنية بأفضل أنواع التبغ، حيث تلبي جزءاً لا يستهان به من الطلب المحلي، كما أن قسماً منها يصدر إلى البلدان المجاورة. وقد أصاب هذه الزراعة الحيف والأذى، حالها كحال بقية الزراعات، نتيجة رفع أسعار المحروقات الذي انعكس بشكل كارثي على الفلاح السوري.

وللتذكير فإن أصناف التبغ التي تزرع في بلادنا متنوعة وكثيرة، منها البعلية مثل أصناف: «شك البنت»، «البصما»، «البرينيت» و«الزغرين»، ومنها المروية مثل «الغرناطة»، ولكن تجفيف أوراقه يتم بوساطة أشعة الشمس كما هي الحال بالنسبة للأصناف البعلية السابقة.

منذ عقدين أو أكثر، دخل صنف جديد إلى سورية هو: «فرجينيا» وهو صنف يعتمد على الري، ويتم تجفيف أوراق التبغ في أفران برجية خاصة، تبنى لهذه الغاية فقط، ويتم الترخيص لهذا الصنف على أساس فرن أو اثنين، وتزرع مساحة من الأرض تقدر بـ10دونمات لكل فرن، وتبلغ كفلة إنشاء الفرن مع تجهيزاته من حراقات ومولّد وأنابيب وخشب قرابة 750 ألف ليرة سورية.

والجدير بالذكر أن زيادة الإنتاج في محصول التبغ جاءت بشكل أساسي من اعتماد هذا الصنف، وزيادة المساحات المزروعة به، حيث يبلغ متوسط الإنتاج للدونم 300-350 كغ، بينما متوسط إنتاج الدونم من الأصناف الأخرى 100-150 كغ، في أحسن الحالات.

ومعروف جيداً أن زراعة التبغ في سورية زراعة اقتصادية واجتماعية هامة، فهي المادة الأولية الرئيسية لصناعة التبغ، وبالتالي فهي تؤمن فرص عمل لعدد كبير من أبنائنا، مزارعين وعمال زراعيين، أثناء عمليات التصنيع أو أثناء زراعته وتخديمه حتى نضجه.

وهي تقدم دخلاً جيداً للخزينة، وهذا ما أكده مدير عام مؤسسة التبغ والتنباك، الدكتور فيصل اسحاق في لقاء للزميلة الثورة في 18/2/2007. حيث قال: «إن المؤسسة قامت خلال العام الماضي، أي موسم 2006، بتزويد خزينة الدولة بمبلغ 14.4 مليار ليرة سورية»، وفي ردِّه على سؤال حول إمكانية زيادة السعر إلى 150 ل.س أجاب: «أنا أدرك جيداً حجم التعب الذي يبذله الفلاحون لإنتاج التبغ، ونتمنى أن تصل اللجنة المعنية بزيادة أسعاره، إلى زيادة السعر حتى 150 أو 200 ل.س إن كان هذا متاحاً».

ولكن بعد غلاء المازوت في بداية موسم زراعة التبغ لهذا العام، تغيرت الحال كثيراً، حيث زادت كلف الإنتاج بشكل كبير جداً، وبصورة خاصة لصنف تبغ «الفرجينيا» حيث يروى من مياه آبار ارتوازية، تُستخدَم فيها محركات كبيرة لضخ المياه، ويصل استهلاك المحرك إلى 17 لتراً من المازوت في الساعة، يروى خلالها دونم واحد.

فتكون التكلفة لإرواء دونم واحد 17 × 25 = 425 ل.س. في حين كانت قبل رفع الدعم 17 ×7 = 119 ل.س. وتكون الزيادة في التكلفة 306 ل.س للدونم الواحد، أي بمعدل 257%. وإذا كانت مساحة الأرض المزروعة على كل فرن مرخص هي 10 دونمات، فتكون كلفة الريّة الواحدة 10 × 425 = 4250 ل.س. وكانت قبل رفع الدعم 10 × 119 = 1190 ل.س. وتكون زيادة التكلفة لري 10 دونمات هي: 3060 ل.س، وإذا كان متوسط عدد الريات لصنف «الفرجينيا» حتى نضجه هو 11 رية. فتكون التكلفة الإجمالية 11 × 3060 = 33660 ل.س. بينما كانت سابقاً 11 × 1190 = 13090 ل.س. ويكون مقدار الزيادة 20570 ل.س.

وإذا أخذنا عمليات الطبخ، كما يسميها الفلاحون، وهي تجفيف أوراق التبغ قبل تسليمه للمؤسسة. فإن تجفيف الكغ من ورق التبغ الأخضر يحتاج إلى 1.6 لتر مازوت، وإذا كان متوسط إنتاج الفرن، أي الـ10 دونمات هو 3000 كغ، فإن كلفة تجفيف الأوراق تحسب على الشكل التالي:

1.6 × 25 = 40 ل.س، بينما كانت سابقاً 1.6 × 7 = 11.2 ل.س فقط، ويكون مقدار زيادة التكلفة 28.8 ل.س على الكغ الواحد، والكلفة الكلية 3000 × 40 = 120000 ألف ل.س، بينما كانت الكلفة السابقة 3000 × 11.2 = 33600 ل.س، فيكون الفرق في التكلفة 86400 ل.س، فإذا حسبنا الزيادة في التكلفة لعمليات الري والتجفيف فقط فهي: 20460 + 86400 = 106860 ليرة سورية.

والمفارقة أن المؤسسة العامة للتبغ أقرت في 19/8/2008 زيادة على وسطي سعر التبغ مقدارها 18.1%، وأن يعمل بها اعتباراً من 15/9/2008، بداية تسليم محصول التبغ للموسم الماضي. ولكن حتى هذه الزيادة لم يؤخذ بها، والمؤسسة تستلم تبغ «الفرجينيا» الآن من الفلاحين على أسعار العام الماضي قبل القرار.

كل ذلك ناهيك عن المصاريف الأخرى التي ارتفعت كذلك، مثل الأسمدة والأدوية والنقل وأجور العمال، والمصاريف الخفية التي تعرفها مؤسسة التبغ ومزارعو التبغ، وهي «الإكراميات» لهذا وذاك، كما يسميها الفلاحون، والتي تزيد كلفة الكيلوغرام الواحد أكثر من 10 ل.س.

إن «قاسيون» تضم صوتها للنداء الحق لمزارعي التبغ، لتطبيق قرار رفع السعر، كحد أدنى للمطالب، رغم أنه ليس عادلاً بما فيه الكفاية، ويطالبون بوضع دراسة عادلة للتسعير، تنصفهم وتضمن التعويض عن تعبهم وخسائرهم وزيادة التكاليف في عملية الإنتاج، قبل أن يعلنوا: «وداعاً زراعة تبغ الفرجينيا»، ففي إنصافهم ضمان لكرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الجمعة, 05 آب/أغسطس 2016 12:37