حكمت سباهي حكمت سباهي

المؤسسة العامة للبريد... شكراً لاحترامكم المواطن....!!

كثيراً ما نسمع في وسائل الإعلام عن بلاغات وتعليمات موجهة للمواطنين تطلب منهم القيام بأمر معين، أو الامتناع عن القيام بفعل ما، أو لإبلاغهم عن قضية معينة، ويبدو أن الكثير من أدبيات المواطنة ومفهومها سيبقى غائباً عن ممارسات الجهات الحكومية لأجل غير مسمى والتي لا تعي من معاني المواطنة سوى سلطة النهي والعقاب متجاهلة حقوق المواطن السوري التي نص عليها الدستور والقوانين ومواثيق حقوق الإنسان.

ومن جهة أخرى، فإن غالبية المواطنين في سورية غير مدركين لحقوقهم وواجباتهم الوطنية، والكثير من هؤلاء يتقدمون بشكاوى يومية للجهات العامة الرسمية سواء لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو هيئات الرقابة والتفتيش ومختلف الوزارات.. دون أن يتلقى أي منهم جواباً على أية قضية، بالرغم من وجود توجيهات واضحة من رئاسة الجمهورية بالاهتمام بقضايا المواطن، ولكن ترجمة هذه التوجيهات إلى بلاغات من رئاسة الوزراء أو الوزراء أو المحافظين تقضي بإجابة المواطن على شكواه والعمل على حل مشاكله، لا تساوي على أرض الواقع قيمة الحبر الذي تطبع به هذه البلاغات.

والسبب الحقيقي في ذلك أن معظم القائمين على أمور الجهات العامة غير متفرغين فعلياً لخدمة المواطن، بل لخدمة مصالحهم الشخصية ومصالح رؤسائهم والمقربين منهم، في ظل تفشي ظاهرة اللامبالاة وعدم المساءلة، وتحولها إلى طاعون يفتك بالأخضر واليابس لعدم وجود إجراءات مضادة من الرقابة الشعبية وفقدانها لفعاليتها بسبب انغماسها في مشكلة تأمين لقمة العيش.

في ظل هذا الواقع اخترقت المؤسسة العامة للبريد هذه الظاهرة، وأثبتت بأنها تحلق خارج السرب لأنها ببساطة تحترم المواطن لأنه مواطن فقط، ودون أي اعتبار آخر.

يتلخص الموضوع ببساطة بأنني تقدمت بشكوى رسمية إلى المدير العام للبريد حول تبلغي لبطاقة بريدية من إحدى الجمعيات التعاونية السكنية حيث وجدت فيها بعض المخالفات القانونية، واعتقدت (خاطئاً) بوجود حالة تزوير، وبعد مضي حوالي شهرين على تاريخ الشكوى، فوجئت بتبليغي نتيجة هذه الشكوى عن طريق كتاب رسمي أرسل إلي بالبريد المضمون ويحمل الرقم 1295/2/3/6، وموقع من مدير عام مؤسسة البريد، ويشير في مضمونه إلى الإجراءات المتخذة والنتائج التي توصلت إليها الرقابة الداخلية في مؤسسة البريد.

ولن يتصور أحد مقدار الفرحة والسعادة التي شعرت بها بسبب استعمال مدير عام البريد السيد أحمد سعد لكلمة المواطن في مستهل جوابه الخطي على الشكوى.

لقد شعرت لأول مرة بمعنى أن يكون الإنسان مواطناً تحترم شكواه ويتم الرد عليها بموضوعية وبدون استهتار.

ربما تبدو القضية غير ذات أهمية للبعض، ولكنها في الحقيقة عمل يستحق الشكر، فهذا التصرف يحمل في معانيه إدارة منهجية في إحدى مؤسسات القطاع العام ترتكز على احترام المواطن بغض النظر عن  صفته، وسواء كان محقاً أم لا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تقوم باقي الجهات العامة بالدولة بممارسة الأسلوب نفسه في التعاطي مع شكاوى المواطنين بدلاً من إصدار بلاغات أو تركيب صناديق الشكوى لغير الله مذلة....!

إن المهم في ما يسمى «عملية الإصلاح» ليس مجرد إصدار تشريعات أو بلاغات جديدة بل الأهم من ذلك أن تتحول هذه الإجراءات إلى ممارسات يومية في كافة أجهزة الدولة، تكفل خدمة مصالح المواطن المشروعة، وتحترم مواطنية المواطنين قبل أي اعتبار آخر.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:14