تجربة هامة ملامحها تسيير ذاتي.. مؤسسة الخزن: حرب في الأسواق أم منافسة مع التجار والسماسرة
لعبت المؤسسة العامة للخزن والتسويق خلال العامين الماضيين دوراً هاماً لمصلحة الناس عندما ارتفعت أسعار مواد غذائية عديدة، حيث تدخلت المؤسسة، وطرحت في السوق خضاراً وفواكه وبيضاً، واستوردت لحوماً مميزة، وتعرضت آنذاك لحملة عداء قادها السماسرة وتجار سوق الهال وصلت إلى حد ضرب شاحنات المؤسسة بالحجارة والرصاص بعد فشلهم بشراء كامل المواد من المؤسسة وفروعها بالأسعار التي ترغبها، وأصرت المؤسسة على بيع هذه المواد في الحارات والشوارع بسياراتها التي كانت تجوب المناطق كافة !.
المؤسسة لها دور اجتماعي انطلاقاً من اقتصاد السوق الاجتماعي، ويبدو أنها آخر ما تبقى من هذا «الاجتماعي» مع التحولات الاقتصادية الجارية، ويتفعل دورها أكثر مع ارتفاع الأسعار وفقدان بعض السلع من الأسواق، فهي تبيع سلعاً عديدة بسعر الكلفة أو بهامش ربح بسيط، وخصوصاً المواد الغذائية. وبفضل هذا التدخل تم كسر أسعار التجار مرات عديدة.
هذه المؤسسة العامة أثبتت وجودها في السوق رغم الحرب الشعواء التي شنها عليها تجار سوق الهال بهدف الاستفراد بالمواطن، وانتقلت الحرب من ضرب شاحنات المؤسسة بالحجارة والرصاص إلى أساليب أخرى..
حرب ضروس
وجه رئيس لجنة تسيير أعمال سوق الهال كتاباً إلى محافظ دمشق يؤلب المحافظ على الشركة يقول فيه:
«أصبح من الضروري توضيح ما ترمي إليه المؤسسة من خلال طلباتها المتكررة لمحافظة دمشق لاستثنائها من جميع قرارات المحافظة التنظيمية في السوق وحصولها على مكاسب تخولها إنشاء محلات تجارية أو مراكز تصفها بالاستثمار «المحمي»، والتي تروج به لكل من يرغب بالاستئجار عندها، فلا يطبق عليه أي قرار تنظيمي صادر عن المحافظة أو أي تكليف مالي أو أي رقابة تموينية. وإن المؤسسة تسعى الآن للحصول على مكاسب جديدة من المحافظة تحت شعار القطاع العام والمساهمة بتهدئة الأسعار.
...كما نرجو تغيير موقع القبان الأرضي الذي زرعته المؤسسة سابقاً في المدخل الشرقي الرئيسي للسوق وعلى أرض مستقطعة من الطريق العام، علماً أن لديهم مساحة واسعة تفي بالغرض جانب القبان المذكور».
ولكن المؤسسة ردت على كتاب الاعتراض بمايلي:
المؤسسة تعمل وفق مرسوم إحداثها ونظامها الداخلي ونظام العمليات المعتمد من وزارة المالية.
وتمارس عملها في سوق الهال وفق عرف السوق وبأسلوب تجاري مميز ووفق تعليمات وزارة الاقتصاد والتجارة وتوجيهات رئاسة مجلس الوزراء؛ وتقوم بتسديد كافة الرسوم المترتبة عليها لمحافظة دمشق وفق الأصول، والمؤسسة هي الوحيدة التي تلتزم بالنشرة التموينية الصادرة عن المكتب التنفيذي للمحافظة، وتقوم بفوترة كافة المواد المشتراة والمبيعة وفق النظام المالي والمحاسبي للمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، وتخضع حساباتها لتدقيق الجهاز المركزي للرقابة المالية وتعليمات وزارة المالية. وتقوم المؤسسة بتنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء ووزارة الاقتصاد لخلق التوازن بالأسواق وتحقيق سياسة السوق الاجتماعي والمنافسة الشريفة مع الغير، الأمر الذي أدى إلى تخفيض الأسعار وخاصة المواد البطاطا والبندورة والبصل والحمضيات واللحوم والبيض وسواها.. وذلك من خلال استجرار هذه المواد من المنتج مباشرة، أو استيرادها من الأسواق الخارجية وتقديمها للمواطنين عن طريق منافذها المنتشرة بجميع أنحاء سورية أو بسياراتها الجوالة. وتقوم المؤسسة ببيع منتجات الفلاحين بنسبة عمولة 1%، كما تقوم بتوزيع كافة مواد بمراكز بيع الجملة الموجودة في سوق الهال، وتقوم بتقديم كافة أنواع الخضار والفواكه واللحوم والفراريج والبيض والأسماك لمعظم جهات القطاع العام بأسعار منافسة.
أساليب أخرى
واتجهت الحرب إلى أساليب أخرى بهدف إغلاق الصالات في الأحياء، وخصوصاً في دمشق من خلال دفع مبالغ كبيرة لإغلاق الصالات عن طريق المحافظة ومن خلال بعض المتنفذين. لقد أثبتت التجربة بأن مؤسسات القطاع العام هي القادرة على خلق التوازن في السوق وتقوية الذراع التدخلي للدولة، وليس استرضاء الفعاليات الاقتصادية. إن حرب التجار والسماسرة ضد هذه المؤسسة يعني بشكل واضح رفع الأسعار والاحتكار، وإذا كان لابد من الاعتراف بأن ارتفاع أسعار سلع عديدة ناتج عن الارتفاع عالمياً، فإن ارتفاع أسعار سلع محلية لا علاقة لظروف إنتاجها بأية أسعار عالمية، يؤكد الاحتكار، ويكشف معنى رفض التجار لتداول الفواتير وعدم بذل وزارة المالية الجهود لتنفيذ نظام الفوترة.
نادر عبد الله: المؤسسة تخدم المنتج والمستهلك
المهندس نادر عبدالله مدير عام المؤسسة يشرح دور المؤسسة قائلاً: الدور محرض لتخفيض الأسعار، ولسنا حصريين في السوق، ولا يوجد شيء احتكاري في عملنا، وتتم مساءلتنا عن الربح والخسارة، ودور المؤسسة يتنامى، وتتصاعد أعمالها التجارية، ومنذ أعوام تبلغ المتاجرة مبلغ 4 مليار ل.س، ونعمل باتجاهين: خدمة المنتج، وخدمة المستهلك.
عندما تنخفض الأسعار نتدخل لصالح المنتج وليس على حساب المستهلك، وعندما ترتفع نتدخل لصالح المستهلك. ومن خلال العلاقة والتنسيق مع مكتب التسويق باتحاد الفلاحين يتم شراء المحاصيل الإستراتيجية، وتحدد سعر الكلفة للفلاح، ويتم الشراء مباشرة من الحقل مع العبوة والنقل وكلفة المستلزمات الأخرى على حسابنا..
وحول الخطط المستقبلية لتطوير عمل المؤسسة قال المدير العام: انتقلت المؤسسة في السنوات الأخيرة نقلة نوعية، والعمل يجري بهدف زيادة عدد الصالات وزيادة أسطول النقل، وأصبح الآن عدد الصالات /225/ صالة، والمطلب الأساسي تسديد رأس المال غير المدفوع.
ويتحدث السيد موسى موسى نائب المدير العام عن اتفاقيات ستوقع مع شركات سعودية لتصدير الفائض.
تجربة مميزة
في مؤسسة الخزن تجربة مميزة من ناحية إدارة الصالات والمبيعات، ويمكن أن تسمى «تسيير ذاتي»، وهي تقطع دابر الفساد والتسيب واللامبالاة. وتتلخص هذه التجربة في مزادات تجري في صالات المؤسسة بين العاملين في الفرع، وبعد رسو المزاد على أحد العمال يتعهد من فاز بالمزاد بالتقيد بالتعليمات الصادرة من الإدارة والفرع، وأي استنكاف عن العمل بالصالة بعد رسو المزاد يجري التغريم بالمبلغ المقرر. عليه كذلك تحقيق حد الأداء المطلوب منه من دون نقصان، وهو سيدفع مبلغ النقص إن حصل.
أما شروط الاشتراك بالمزاد فهي:
أن يكون المشترك بالمزاد عاملاً بالمؤسسة حصراً، وبريء الذمة، وحسن السلوك المهني والشخصي، وعدم الاعتراض على تعليمات الإدارة والفرع الخاصة بالعمل، والتقيد التام بأسعار النشرة التموينية.
وحول تقدير إدارة الفرع الحد الأدنى للمزاد، شرح لنا نائب المدير العام بأنه يتم رصد مبيعات كل صالة خلال ستة أشهر التي من المفترض أن تحقق أرباحاً صافية تغطي نفقات الصالة بالحد الأدنى، وهذه التكاليف تشمل أجور العاملين والكهرباء والماء والهاتف. وبعد تحديد مبيعات الصالة يفتح المزاد بدءاً من وسطي المبيعات الشهرية المحققة خلال ستة أشهر، ويبدأ المزاد بين العاملين الذين لهم الخبرة الكافية بتطوير العمل، ويرسو المزاد على أحدهم، وهكذا يتم تكرار المزاد كل ستة أشهر، مما يرفع وتيرة المنافسة بين العاملين.
وحول ضبط حركة المواد الداخلة والخارجة للصالة ومصادرها، فهناك سجل في كل صالة يسمى سجل البضاعة الجاهزة، تُسجل فيه المواد الداخلة والخارجة للصالة بالقيمة البيعية.
بشكل عام التجربة فريدة ومميزة وجديرة بالدراسة على ضوء واقع مؤسسة الخزن ونجاحها.