حين يتدهور مستوى المعيشة
توجد في مركز مدينة عاموده ساحة عامة، يُسمح فيها لباعة الخضروات والفواكة بإيقاف عرباتهم مع إشغال فسحة أرض حولها مقابل دفع رسوم مالية معينة لمجلس المدينة، وغالباً ما يضطر أصحابها لترك الفائض من الخضروات في الساحة ليلاً بعد تغطيتها انتظاراً لبيعها في الصباح التالي.
أحد هؤلاء الباعة ويدعى (أ.ب) انتبه أنه كلما كان يأتي صباحاً لمزاولة يجد أن هناك نقصاً (صندوقاً أو صندوقين) من الخضروات خاصته، وتحديداً في سلعتي (البندورة والباذنجان). هذا النقص كان في البداية يتكرر كل شهر تقريباً، ثم راح يتكرر كل أسبوع، فجن جنونه، ووقع في حيرة من أمره دون أن يشك أبداً بزملائه أو بمن حوله من الباعة. ولما عيل صبره ولم يتمكن من معرفة السبب، لجأ للقوى الأمنية، التي نصبت ذات ليلة كميناً محكماً لاصطياد اللص، ولم يطل الأمر، حيث قدم ثلاثة أشخاص واقتربوا من بضاعة (أ.ب) مستخدمين مصابيح إنارة يدوية بعد أن حسبوا أن الجو ممهد لتنفيذ مخططهم، ولكن ما إن قاموا بانتشال صندوق من الخضروات وهموا بالمغادرة، حتى وجدوا أنفسهم محاطين بكمين محكم، فألقي القبض عليهم بالجرم المشهود، وإذ بهم من الأشخاص المنوط بهم حماية الناس وليس سرقتهم.. فأحيلوا إلى مديرية الناحية لاستجوابهم حيث اعترفوا بكل ارتكاباتهم السابقة.
والأمر الطريف الذي انتهت إليه التحقيقات أن السرقة كانت بدافع الاستهلاك الشخصي، وليس للمتاجرة، وهذا بحد ذاته يعكس ظاهرة خطيرة في المجتمع، وهي انحلال السلوك المسلكي الرفيع وتفشي القيم الأخلاقية الدنيا كالرشوة والفساد والنهب، وسيادة مفهوم (دبر رأسك)... كما تعكس تدهور مستوى المعيشة لدى شريحة واسعة من المجتمع.
إن المطلوب هو أن تأخذ العدالة مجراها بالنسبة لهؤلاء الخارجين على القانون وإنصاف المتضرر عن الخسائر التي لحقت به...
هذا وقد قام مجلس المدينة وكما هو مقرر سابقاً بنقل تلك العربات إلى سوق الخضرة الجديد في المكان المخصص فوق النهر المغطى بالإسمنت المسلح، وفرض رسوم تقدر بـ/4000/ ل.س سنوياً مقابل بدل الإيجار والخدمات لكل صاحب عربة خضرة، وهذا المبلغ يعادل أضعاف ما كان أصحاب العربات يدفعونه قبل أن ينتقلوا إلى السوق الجديد، فالمعادلة غير متكافئة، والرسوم الجديدة لا تتناسب مع مداخليهم، وترهقهم نسبة أرباحهم وعملهم الشاق، وتلحق الغبن والضرر بهذه الشريحة الاجتماعية المعدمة، الأمر الذي يتطلب من مجلس مدينة عامودة ومكتبها التنفيذي إعادة النظر بهذا القرار وتعديله تحقيقاً للعدالة وصوناً لكرامة المواطن.
■ عاموده ـ عبد الحليم قجو