مطبات خبز ثقافي..
(دعت وزارة الاقتصاد والتجارة مديريات التجارة الداخلية في المحافظات للعمل على وضع بعض مواد قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008... ضمن ربطات الخبز التي تباع للمواطنين وبشكل تدريجي. وأوضحت الوزارة أن الهدف من ذلك هو نشر ثقافة المستهلك من خلال إطلاعه على القوانين والقرارات الناظمة لعمل الوزارة، وخاصة قانون حماية المستهلك، وبهدف توعية المواطنين لمعرفة حقوقهم وواجباتهم).
هذا هو النص الحرفي للخبر الذي نشرته وكالة الأنباء(سانا)، والخبر فيما يبدو يأتي في سياق الاجتهادات التي تتخذها بعض الوزارات لخلق تواصل مع الناس الذين ابتعدوا كثيراً عن الفعل الحكومي، وابتعدت الوزارات أكثر عن همومهم ومعاناتهم.
خطة وزارة الاقتصاد أو اجتهادها يرمي للتعريف بقوانين تخص الناس، وهذا اعتراف ضمني بالقطيعة، وخصوصاً القانون المطروح على جدول التثقيف الشعبي، فقانون حماية المستهلك من القوانين التي استبشرت الجماهير، غير المحمية من الجشع والاحتكار، بضرورته وأهميته، وقد يكون من جملة من القوانين التي تشعرها بالانتصاف لحقها في لقمة سائغة، غير مغشوشة وملوثة، ومحمية، وتنصفها، أي الجماهير، من لعنة الاحتكار وتجار السلع النائمة، ودكاكين البيع وفق الهوى والمزاج.
في الخبر المذكور تفصح الوزارة عن نواياها ومخططها في نشر ثقافة المستهلك، أي دس الدسم في العجين، الثقافة عبر الوجبة الدائمة للمواطن، الثقافة التي تأتي من الوقوف أمام الأفران جماعات، فربما يبدأ المواطن بالنقاش مع أخيه المواطن فيما يتعلق بحقوقه وواجباته، وربما يحتدم النقاش عندما يختلط الحق والواجب، وهذا قد يستدعي دعوة الوزارة إلى عقد ندوات أمام الأفران، أو نقلها للمراكز الثقافية، وربما تزداد الحاجة لعقد ندوة وطنية لمناقشة القانون المنشور في ربطات الخبز.
أولى الصدمات التي ستواجه المستهلك المثقف هي واقع رغيف الخبز، أداة الثقافة واللقمة التي تسد الرمق، الرغيف المحروق من أوسطه وجوانبه، أو المتكتل على بعضه هارباً من الفرن، الرغيف المسحوب منه كل مواد الدعم التي تباهينا بها طويلاً، الحليب والسكر التي لم يختلط بالدقيق منذ زمن، الرغيف الخارج لتوه من الأفران الحكومية، الأفران التي افتتحناها في المناسبات الوطنية، وقصصنا من أجلها الحرير، ودفعت عليها الملايين لتكون صروحاً، وأقيمت بذكراها الأفراح، وألفت الأهازيج، واصطف الأطفال فرحين بلقاء صاحب المقص والشريط الأحمر، الأفران التي صنعتها الدولة من أيام حرماننا، وحصارنا، وعرق فلاحينا، وخيرات أرضنا، الأفران التي ربما تصير ملتقى ثقافة الرغيف، الرغيف الغصة.
أما الطامة الأكبر فهي إذا أرادت بقية الوزارات تقليد وزارة الرغيف (الاقتصاد) في نشر ثقافة قوانينها! ربما نتوقع ما سوف يحصل.. وزارة التربية سوف تنشر اجتهاداتها الخيرة بما يتعلق بالرحلات المدرسية إلى المسطحات المائية، والتي كان سبب إقرارها كارثة بحيرة زرزر التي لم تنته فصولها بوفاة ثماني طالبات، بل غرق شاب آخر بعدها، ربما تستفيد جموع الواقفين أمام الأفران من التعليمات فتخف الكارثة.
أما وزارة العمل فقد تنشر ثقافة التأمينات، وتطرح قانون العمل المفصل على لباس مناقض للباس الطبقة العاملة، وربما يبادر بعض من هم في سدة الطبقة العاملة في نشر آرائه عن نضالها أو نضاله الشخصي، أو سيرته الذاتية الخالية من أي مكسب، سوى بعض البيوت في مدينة (عدرا) العمالية أو سيارة مرسيدس سوداء.
وزارة المالية ستنشر ثقافة الضرائب، على كل حياتنا، فواتير الكهرباء التي أضيف إليها الرسم البلدي، ضريبة النظافة..الخ، وربما ضرائب ترفيهية على التلفاز الملون سيرونكس، والدش المدور على أسطحتنا المنخورة، وقوانينها التي ستسهم في حياة أيسر.
وزارة الثقافة لن تدع مواطننا دون رغيف يحتوي على قصيدة، أو تصدر كتاباً في رغيف على غرار كتاب في جريدة، وسوف تساهم في حمايتنا في بغاث الثقافة، ومثقفي المرحلة وشعراء المناسبات، وغاويات الشعر، وأمناء تحرير الثقافة، واللباس الموحد لمثقفينا.
قبل أن تجتهدوا في نشر ثقافة المستهلك.. أعيدوا لنا رغيفنا.