رئيس الاتحاد العام للفلاحين حماد عبود السعود: رفع الدعم شكل من أشكال إجهاض الإنـجازات الزراعية.. واستهداف لمواقف سورية السياسية
لوحظ في السنوات الأخيرة تراجع كبير في الخطط الزراعية والإنتاج الزراعي بسبب السياسات التي تتبعها الحكومة تجاه الزراعة، وهذا مؤشر خطير سرعان ما سيتهدد الأمن الغذائي، وبالتالي الأمن الوطني، وستكون له تداعيات خطيرة سياسياً واجتماعياً..
حول المخاطر التي يتعرض لها القطاع الزراعي توجهت «قاسيون» إلى السيد حماد عبود السعود رئيس الاتحاد العام للفلاحين ببعض الأسئلة، فوافانا بالأجوبة التالية:
• تعد الزراعة في سورية من الحصون المنيعة، التي ساهمت في صون البلاد من جميع المحن التي مرت بها في العقود الأخيرة، ولكن دورها اليوم في تراجع مستمر.. ما قراءتك لهذا التراجع؟
في الحقيقة، كانت الزراعة السورية وماتزال الحصن المنيع لاقتصادنا الوطني، لأننا أولاً وأخيراً بلد زراعي بامتياز، والزراعة السورية حققت جملة من الأهداف التي تشكل أساس القوة في اقتصادنا وفي موقفنا السياسي، فعلى سبيل المثال مازالت الزراعة السورية تسهم بنحو 37% من مكونات الاقتصاد الوطني. وهي تؤمن الغذاء لأبناء شعبنا. وبات معروفاً لكل العالم أن سورية من أوائل الدول في العالم الثالث التي حققت أمنها الغذائي، كما أن الزراعة السورية، بشقيها النباتي والحيواني، تؤمن مادة تصديرية تدعم اقتصادنا الوطني بالعملة الصعبة، ومعروف على سبيل المثال، أن الأغنام السورية تصدر للخليج وتؤمن عملة صعبة بكميات لا بأس بها، وقد شبه الكثير من الاقتصاديين غنم العواس بأنها «نفط لا ينضب».. إضافة لهذا، تؤمن الزراعة المادة الأولية لعدد كبير من الصناعات التحويلية، مثل صناعة حلج ونسج وخياطة القطن، وصناعة الزيوت والكونسروة وغيرها. ومثل هذا الدور مازال قائماً، ولا يمكن أن يتم التراجع عنه، وقد حققت الزراعة السورية هذا النجاح، بتقديرنا، جراء جملة من العوامل، أبرزها رعاية الحزب وقيادته، وعلى رأسها القائد الخالد حافظ الأسد، للزراعة والفلاحين، حيث كان هذا الدعم يتم بأشكال مختلفة، وعلى رأسها تحمل الحكومة لجزء من الفارق بين الأسعار الحقيقية لمستلزمات الإنتاج، وبين أسعار بيعها للفلاحين، وذلك ابتغاء منح الفلاحين أسعاراً مجزية تساعدهم على الاستقرار في أرضهم، وحثهم على العمل والإنتاج. وهذا فعلاً ما تحقق، حيث شهدت سورية تلك القفزة الكبيرة في مجال الإنتاج الزراعي.
أما ما يحدث اليوم فهو، كما تقول الحكومة، إعادة لأسلوب الدعم، ولكننا نعتقد إن قرار إعادة توزيع الدعم لم يكن مدروساً بشكل صحيح، لا من حيث التأثيرات على الإنتاج الزراعي أو كلفته، أو أثره على المنافسة مع الإنتاج الزراعي العربي أو الأجنبي. فعلى سبيل المثال، نحن -في المنظمة الفلاحية- نرى أن رفع أسعار المحروقات وتحرير أسعار الأسمدة، رغم محاولة الحكومة التعويض عبر صندوق دعم الإنتاج الزراعي، سيكون له تأثير سلبي، لأنه سوف يحد من استخدام هذه المواد في الزراعة بسبب عدم توفر السيولة النقدية لدى الفلاحين. وهذا ما حدث عندما تم رفع سعر المحروقات، فقد توقف العديد من الفلاحين عن ري الأقماح لعدم توفر السيولة، وكانت النتيجة سيئة.
الأمر الثاني، إن هذه المواد باتت محصورة وفق جدول الاحتياج، أي وفق نسب تحددها وزارة الزراعة. وثمة خلاف دائم بين وزارة الزراعة، التي تؤكد أن هذه الكميات كافية وفقاً لدراساتها العلمية، وبين الفلاحين الذين يؤكدون أن خبرتهم وتجربتهم تؤكد عدم كفاية هذه الكميات. والفلاح الآن أمام خيارين:
الأول أن يشتري بقية احتياجاته من الأسمدة من السوق الحرة وأسعارها غالية.
الثاني أن يلتزم بالكميات المعطاة له، وتجربته تشير إلى عدم كفايتها.
الأمر الثالث، ثمة زراعات تبدو حتى الآن بدون دعم صندوق دعم الإنتاج الزراعي، وهي هامة، كالخضار والفواكه، وخاصة أنها تشكل الغذاء الأساسي للمواطنين.
• قامت الحكومة مؤخراَ بتحرير أسعار السماد، كيف تنظرون إلى هذا القرار؟ وهل جرى التشاور معكم حوله قبل اتخاذه؟
في الحقيقة أبلغتنا الحكومة، قبل الإقدام على تحرير الأسمدة، عن نيتها في اتخاذ هذا القرار، ونحن بالتالي قدمنا رأينا للحكومة عن طريق مذكرات خاصة بهذا الشأن بينّا فيها موقفنا الرافض لتحرير أسعار الأسمدة، للأسباب التي ذكرناها قبلاً، وقياساً على ما لمسناه من أثار لتحرير أسعار المحروقات. لكن الحكومة كان لها رأيها، الذي يقول بضرورة التحرير. ونحن في مجلس الاتحاد العام للفلاحين، الذي عقد منتصف نيسان، وعلى لسان أعضاء المجلس، تحدثنا بشفافية وصراحة عن رأينا في هذا الموضوع، والأمر الآن بات على مسؤولية الحكومة.
• تحرير أسعار السماد يأتي ضمن سلسلة من القرارات والإجراءات الخاصة بالزراعة، لعل أهمها رفع الدعم عن المحروقات الذي جرى العام الماضي بالتوقيت نفسه. برأيكم إلى أي مدى صبّت هذه القرارات في مصلحة الزراعة السورية والمزارع السوري؟
كنت في معرض الإجابة على السؤال الأول قد بينت رأي المنظمة فيما يتعلق برفع أسعار المحروقات. ونحن في الاتحاد العام للفلاحين نعتقد أن شعار رفع الدعم عن الزراعة السورية شعار خاطئ، فأكثر دول العالم دعوة لرفع الدعم مثل الدول الأوروبية واليابان وأمريكا إلخ، تدعم زراعتها، ومعروف أن اليابان تدعم كل بقرة بعشرة دولارات كل يوم، وثمة خلاف جوهري بين أوروبا وأمريكا حول دعم الزراعة الأمريكية. فلماذا يطالبوننا برفع الدعم؟! إننا نعتقد أن رفع الدعم شكل من أشكال إجهاض الإنجاز الكبير الذي حققته سورية في المجال الزراعي. ومحاولة لاستهداف مواقفها السياسية، من خلال تجريدها من مصدر قوة قرارها السياسي. لقد صمدنا في الثمانينات والتسعينات أمام الحصار الاقتصادي، ولم نركع، لأننا امتلكنا رغيف الخبز. ولذلك نحن نعتبر أن مسألة دعم الزراعة، ليست مسألة اقتصادية فحسب، بل هي مسألة وطنية بامتياز.
• هل سيتمكن صندوق دعم الزراعة من تلبية حاجات الفلاحين المتزايدة؟
صندوق دعم الزراعة تجربة وليدة، وعلى الصعيد العملي لم يباشر عمله. نحن نتمنى أن يكون عامل استقرار ودعم للزراعة السورية، وليس عامل إرباك. على كل حال لابد من الانتظار، ومنح الصندوق فرصة ليباشر عمله، لنحكم عليه من خلال الواقع والممارسة.
• أبدى العديد من رؤساء الوفود الفلاحية، في مجلس الاتحاد العام الذي عقد مؤخراً، استياءً كبيراً من السياسات الزراعية المتبعة. كيف تفسرون هذا الاستياء ودوافعه؟ وما هو المطلوب من الاتحاد اليوم؟
مَن تابع جلسات مجالس الاتحاد العام للفلاحين، سوف يلاحظ أن أهم سمة في مناقشات المجلس هي الصراحة والشفافية والصدق، والتعبير عن القضايا والمشاكل بصورة مباشرة، ودون مواربة، وهذا جزء من طبيعة الفلاح نفسه، الذي يتصف بالصدق بالتعامل، وأعضاء المجلس عبّروا عن استياء ومخاوف، وربما عدم فهم لنوعية وأهداف الإجراءات الحكومية وسياستها، دوافعهم في ذلك المسؤولية الكبيرة التي يحملونها على عاتقهم، وهي تحقيق الأمن الغذائي للوطن، والدفاع عن مصالح الفلاحين وحقوقهم.
أما بالنسبة لنا في المنظمة الفلاحية فنحن نشعر أن واجباتنا تزداد يوماً بعد يوم، وبات علينا الاعتماد على أنفسنا، وتقديم العون والمساعدة لفلاحينا، بكافة السبل والأشكال، ولهذا يناقش الاتحاد العام، وبصورة دائمة، سبل تطوير عمله، للارتقاء بهذا العمل من جهة، ولمواجهة التحولات والتغيرات من جهة ثانية.