مطبات لهذا هي اليابان!
(الكلمات وحدها لا تكفي لتسوية المشكلة.. فتويوتا تمثل اليابان، وقد تؤدي مشكلاتها إلى النيل من سمعة اليابان برمتها)..
• صحيفة (نكيي) اليابانية
ببساطة ودون مقدمات عن تاريخ اليابان، ومن دون تذكيرنا بماضي شركة تويوتا وإنجازاتها، و دون أي تعريف بالمزايا الفريدة للمنتج الياباني، ودون مقارنته بمنتجات العالم المشابهة.. يعتبر اليابانيون ما جرى مع ماركتهم الكبيرة من هفوة صغيرة إساءة لسمعة اليابان.
سمعة اليابان الاقتصادية مهددة، والبلد الذي تتسيد منتجاته أسواق العالم، البلد الذي ينتج أفضل تكنولوجيا عصرية ناجحة، البلد الذي لا يتغنى بمنتجه والعالم كله يطرب له، وإذا أراد أحد أن يتباهى بقطعة كهربائية أو الكترونية يصيح بصوت مرتفع إنها يابانية،.. اليابان بكل بساطة، ومن دون حذلقة وكلام: تعتذر.
وهنا.. في العالم الثالث القادم من التاريخ العريق نفسه، من القارة نفسها، غير قادر على الاعتذار عن أخطاء أكبر من خطأ في دواسة سيارة، العالم الذي لا يستطيع أن يصنع دواسة سيارة أقل جودة، العالم الذي يتميز بالثرثرة أكثر من الفعل، تسقط من لغطه مفردة تعني: الاعتذار.
هنا.. حيث هذه البقعة المزدحمة بالبشر والأخطاء، بالتخلف والإرث العميق في الوقت عينه، بالذاكرة المتنوعة وبالاتجاه الواحد، بالعقل والعاطفة التي لا ترحم، بالنبل والخسة، بالإنجازات والانحطاط، باللصوص والشرفاء، هنا لا توجد في لغتنا مفردة أقسى علينا من الأسف. نكابر في أكثر أوقاتنا قسوة، نتجبر إذا ما واجهتنا الحقائق، موت إنسان، إيذاء آخر، انكسار روح أمامنا، خياناتنا، أخطاؤنا المقصودة وسواها، هفواتنا وما أكثرها، أيماننا الكاذبة، مؤامراتنا الصغيرة والكبيرة.. إلا أننا أكبر من أن نلوذ بالأسف.
من أفهمنا وعلمنا أن الاعتراف بالخطأ يقلل من هيبتنا وكراماتنا، وأن الرجوع إلى الحقيقية فيه تقليل من عنجهيتنا، وأننا نصغر إذا اكتشفنا كم كنا ظالمين، وأن الآخر ربما سينظر إلينا باعتذارنا كما لو كنا ضعفاء؟ من الذي ورطنا بالتعنت والتشبث بالخطأ حتى صرنا عبيده، وصرنا به بشراً قساة، وأناساً من صخر يبتسم، وكائنات يتفشى فيها العناد؟.
هذا على صعد ذواتنا.. أما من يجيب على الأسئلة الأكثر صعوبة، لماذا لا يعتذر موظف صغير عن ضياع معاملة مواطن، ولماذا يقذف كرة العناد بتحميله مسؤولية خطئه، لماذا لا يقول الموظف: هذا خطئي وبشجاعة أتحمل المسؤولية؟ لماذا لا يعود الأستاذ إلى صفه ويقول للتلاميذ: أخطأت في حل المعادلة، أخطأت في إعراب المبتدأ المؤخر، وأن مساحة الوطن العربي هي 14 مليون كم وليس 41 مليون كم، وأن عمر بن الخطاب هو القائل (أصابت امرأة وأخطأ عمر)، وليس عمر بن عبد العزيز... ولماذا لا يعتذر الشرطي، والصحفي، والخباز، والسمسار، والنادل، والمسؤول، وغير المسؤول، وبائع البسطة، والمنشد، والشيخ، والقس، والكافر، والمجرم، والشاعر.. لماذا لا نعتذر؟.
تأخر دعم المحروقات حتى تجاوز الشتاء نصف زمنه، نخر البرد عظامنا، صارت المدافئ برادات في زوايا بيوتنا، شيكات الدعم في اليوم التالي، المبالغ المصروفة بعد غد، الطوابير تتدافع، والاعتذار خراطيم المياه في السيدة زينب تنهال على الطوابير المنتظرة في عز البرد، الأسف بالتدافع والتدافش، والانتظار المذل على أبواب المراكز والمصارف، لام يقل أحد نحن نعتذر.
متعهد الحفريات يضع لوحة قد أكلها الزمن ولم يتغوطها بعد، (نعتذر لإزعاجكم.. نحن نعمل من أجلكم)، ويبدأ درس الحفر، الحفريات التي لا تنته، الطرقات التي لا تشبه سوى مكبات التراب، وأسابيع من الغبار، أشهر من الوحل في الشتاء، سنوات في إنجاز ساحة، عقود من الوعود بتحسين البنى التحتية والفوقية، وسط هذا الإجحاف وحدها لوحة المتعهد شاهدة على وجودنا: نأسف لإزعاجكم.
■ عبد الرزاق دياب