كيف يُنَفَّذ المرسوم /49/ في محافظة الحسكة؟!
أنتجت طريقة تنفيذ المرسوم /49/ في محافظة الحسكة تداعيات ذات طابع كارثي من الناحية الاقتصادية ـ الاجتماعية، حيث تدنى مستوى النشاط الاقتصادي في المحافظة التي تعتمد بشكل أساسي على النشاط التجاري العقاري (بيع، رهن، استئجار، استثمار أراض زراعية ومحلات تجارية ومنشآت صناعية وسياحية وخدمية) وخصوصاً بعد تدمير القطاع الزراعي وفي ظل غياب المعامل والمصانع وعدم توفر فرص العمل، فانضم عشرات الآلاف من ذوي المهن إلى جيش العاطلين عن العمل، وتم شل حركة المكاتب الهندسية، ومكاتب المحاماة، وكل المهن الحرة، وأضر بشكل لافت بواردات الخزينة، فتدنت واردات صناديق النقابات المهنية ذات العلاقة، وواردات البلديات، وأدى إلى هجرة رؤوس الأموال من المحافظة.
إن كل ذلك أدى في النتيجة إلى انحدار خطير في المستوى المعيشي، فكانت الهجرة الجماعية لآلاف الأسر إلى ضواحي المدن الكبرى للعمل بالمهن الهامشية، الأمر الذي انعكس سلباً على المهاجرين وعلى المدن المقصودة، وعلى النسيج الاجتماعي، وأحدث خللا في التوزع السكاني بين المحافظات هنا وهناك، ونتج عن كل ذلك المزيد من الاحتقان والشعور بالغبن والظلم والإحساس بالغربة في الوطن، وهذا ما يضر بالوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي الذي يشكل أساساًً للأمن الوطني، ومن هنا فإن إعادة النظر بطريقة تطبيق المرسوم الخاصة في محافظة الحسكة ليس أمراً ضرورياً من جهة مصالح المواطنين فحسب، بل هي قضية وطنية بامتياز، وخصوصاً في ظل التوتر المتصاعد في المنطقة جراء المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف بنية بلدان المنطقة وشعوبها عبر إثارة الفتن والنزاعات العرقية والدينية والمذهبية والسياسات الاقتصادية الليبرالية التي تهيئ الأرضية أمام هذه المشاريع.
نعم إن مصالح المواطنين المباشرة، والمصالح الوطنية العليا لوطننا سورية معاً، تتطلبان إعادة النظر بالمرسوم بما يؤمن مصالح المواطنين في حق التملك والبيع والشراء والبناء والاستثمار... ويعيد الحياة إلى النشاط الاقتصادي، ولاسيما أن إجراءات تنفيذ المرسوم تتناقض مع الحقوق المنصوص عليها في الدستور السوري.
إن تحصين المناطق الحدودية واجب وحق مشروع في كل دول العالم، وهذا الجزء العزيز من التراب الوطني السوري ـ محافظة الحسكة ـ التي تعتبر سلة الاقتصاد السوري من جهة المواد الخام على الأقل، تتاخم جغرافياً حدود دولتين، فيهما من التوتر ما يتطلب حقاً أخذ الحيطة والحذر ضمن مفهوم السيادة والحفاظ على الأمن الوطني، ولكن ليس باتباع أسلوب شبيه بالعقاب الجماعي، فمفهوم الأمن الوطني يكتسب في ظروف اليوم معنى أوسع بكثير من الإجراءات الأمنية الصرفة، فهو ذو بعد اقتصادي واجتماعي وسياسي، ومن هنا كان القول دائماً بضرورة البدء بعملية تنموية شاملة في كامل المنطقة الشمالية والشرقية، تشمل تحديث القطاع الزراعي وتطوير البنية التحتية وإقامة المعامل والمصانع، وذلك للحد من ظاهرتي الهجرة والبطالة، والكف عن كل مظاهر التمييز بين المواطنين على أساس القومية أو الدين، ومنح الحقوق الثقافية والمدنية لأبناء القوميات غير العربية، وحل مشكلة الإحصاء الاستثنائي الجائر لعام 1962، والكف عن العمل بالقرارات الاستثنائية التي تعتبر كل محافظة الحسكة منطقة حدودية والتعامل معها كالمحافظات الأخرى.
إن مثل هذه الإجراءات هي الخطوة الأولى والفعلية لتعزيز الوحدة الوطنية، وقطع الطريق على كل من يريد الاصطياد في الماء العكر والاستفادة من حالة الاحتقان لدفع الوعي الاجتماعي إلى مسارات خاطئة. أما بقاء الأمور على ما هي عليه فيعني موضوعياً توفير تربة خصبة للقوى التي تتربص شراً بالبلاد والعباد سواء كانت في الخارج أو الداخل.
وبناء على ما سبق فإن جميع القوى الوطنية في البلاد، داخل جهاز الدولة وخارجه، مدعوة إلى النضال من أجل تعديل هذا المرسوم، وخاصة تطبيقاته وتعليماته التنفيذية، وإلغاء كل القوانين الاستثنائية في المحافظة بما يؤمن مساواة المواطنين أمام القانون وينسجم مع كرامة الوطن والمواطن.
ونؤكد في هذا المجال وكما أكدنا مراراً، إن البوابة الوحيدة التي يجب النضال من خلالها هي البوابة الوطنية، وما عدا ذلك هو تمييع للنضال الوطني الديمقراطي.
مكتب قاسيون ـ محافظة الحسكة