مسلسل الحرائق المستمر

مسلسل الحرائق المستمر

الوجه الشرقي لسلسلة الجبال الساحلية المحاذية لسهل الغاب أصبح كالجسم المصاب بالبرص، حيث يكاد يختفي اللون الأخضر منه لتظهر مكانه بقعاً صفراء وسوداء وأخرى بين بين، وذلك بعد جملة الحرائق التي طالت هذه السلسلة أمام أعين ومرأى المسؤولين، ولا مبالاة الكثيرين منهم.

 

غابات وأحراج وادي طاحونة الحلاوة إلى عين وريدة وعناب وساقية نجم، ومن أرض مرداش وصقلية، وفي مناطق قبر الشوباصي عين حلاقيم وطريق الزينة، وغيرها من القرى والمناطق، التي تحيطها المساحات الواسعة من الأحراج الطبيعية والغابات الصنوبرية، كلها أتت عليها النيران المشتعلة خلال الأيام الماضية، عبر موجة من الحرائق التي لا يمكن أن تكون إلا مفتعلة، وما زالت مستمرة وتمتد مقتربة أكثر فأكثر من قرى وبلدات سهل الغاب الأخرى، وقد كان هبوب الرياح سبباً إضافياً لتسعير النيران وامتدادها.

حرائق بفعل فاعل

بعض الأهالي في تلك المناطق قاموا بإخلاء منازلهم كما اضطروا للنزوح منها، وذلك بسبب تلك الحرائق، على شكل موجة نزوح لا يمكن الاستهانة بها وبمسبباتها ونتائجها، التي لا تقف عند حدود نزوح هؤلاء، بل تتعداها إلى مستوى الأثار البيئية والاقتصادية وتداعياتها المستقبلية.

مدير هيئة تطوير الغاب صرح لإحدى الوسائل الإعلامية بوقت سابق قائلاً: «إن هذه الحرائق حصلت بفعل فاعل من حيث الطريقة المتبعة بإشعال عدة حرائق بنفس الوقت بأكثر من منطقة»، مضيفاً: «يوجد ضعف بالإمكانات والتجهيزات المتوفرة لدينا ونعمل على إخماد هذه الحرائق ضمن هذه الإمكانات، حيث توجد سيارة إطفاء واحدة فقط، وعدد آخر تحتاج إلى إصلاح».

استهتار واهمال

سكان المناطق التي أتت عليها الحرائق والمتضررين منها كانوا مستغربين من تفاعل الجهات الرسمية وخاصة المعنية منها مع هذه الحرائق، حيث كانوا بنظر الأهالي مستهترين وكأن الأمر لا يعنيهم، أو كأن الحريق في بلد آخر، ولعل آخر هم للأهالي يتمثل بإعفاء بعض المسؤولين هنا أو هناك رغم أهمية مثل هذه الإجراءات أحياناً، بل ما يعنيهم هو الإجراءات العملية المتخذة بشأن استمرار وامتداد هذه الحرائق ومنع وقوعها لمرات ومرات أخرى، حيث يتساءل الأهالي عن سيارات الإطفاء التي كانت تأتي من المحافظات كلها عندما ينشب حريق بهذا الحجم، كما يتساءلون عن المروحيات المخاصة بإطفاء الحرائق وعن أسباب غيابها عن العمل، والتساؤل الأهم لدى هؤلاء هو: متى سيتم إلقاء القبض على مفتعلي هذه الحرائق التي تأتي على آلاف الهكتارات سنوياً، ومن خلفهم من تجار وفاسدين ومنتفعين، ومحاسبتهم على سلوكهم الإجرامي المتمثل بالقضاء على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي في المنطقة بشكل خاص، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج مدمرة على المستوى البيئي والاقتصادي بشكل عام.

استحقاق متكرر بكوارث بيئية

يشار إلى أن الحرائق كانت قد أتت على بعض الأحراج والغابات خلال شهر نيسان المنصرم، كما طال بعضها أحراج وغابات اللاذقية في وقت سابق، وهذه السلسلة من الحرائق التي تطال الغابات والأحراج لم تعد مفاجئة بالنسبة للأهالي في  تلك المناطق كلها، كما بالنسبة لغالبية السوريين، حيث تتكرر سنوياً ومنذ عقود، ولكنها قد تكون تزايدت خلال سني الحرب والأزمة بظل واقع الانفلات وغياب الرقابة، بالإضافة إلى تزايد المستفيدين على هامش هذه الحرائق، اعتباراً من تجار الخشب والفحم والحطب، مروراً بتجار الأراضي والعقارات، وليس انتهاءً بالشكوك ببعض الأطراف التي لها مصلحة مباشرة بإحداث كوارث بيئية ندفع ضريبتها آنياً ومستقبلياً.

مستلزمات وضرورات

مع هذه الأطراف الفاعلة والمستفيدة كلها من الحرائق لا بد من أن يكون هناك إجراءات تتناسب مع إمكانات هذه الأطراف المجرمة التي لم تعد تعمل وفق النموذج الفردي، بل أصبحت تعمل وفق نموذج جماعي، بدليل افتعال الحرائق المتزامنة بمناطق متباعدة.

على ذلك فإنه من الواجب تأمين المستلزمات كافة التي تمنع هؤلاء من عملهم أولاً وتحد من نتائج هذه الأعمال ثانياً، ولعل ذلك يكون بزيادة أعداد الحراس العاملين بالحراج والغابات، وزيادة أعداد سيارات الإطفاء العاملة في المنطقة وفي القرى مع تأمين جاهزيتها بشكل دائم، بالإضافة إلى أهمية تأمين وسائط حديثة للتعامل مع هذه الكوارث بشكل أوسع وأسرع، وخاصة في المناطق الوعرة صعبة الوصول، مع ضرورة التوسع بالتحقيقات الجارية بهذا الشأن لمعرفة المسببين بها والمستفيدين منها، وعدم الاكتفاء بتسجيل مثل هذه الواقعة الجرمية بعبارة «سجلت ضد مجهول».