في الحسكة رغيف الخبز حسب الولاءات

في الحسكة رغيف الخبز حسب الولاءات

تأمين رغيف الخبز بات هاجساً يومياً يستيقظ عليه أبناء مدينة الحسكة، كما يجافيهم النوم تفكيراً به، بعد أن تعددت أنواع المعاناة بالنسبة لهم كما تعددت أسبابها، بين تلك السيئة والأكثر سوءاً، اعتباراً من الخدمات وخاصة على مستوى المياه والكهرباء، مروراً بالمواد الأساسية وخاصة الغذائية وارتفاع أسعارها، وليس انتهاءً بالواقع الأمني والعسكري.

 

وقد ازدادت هذه المعاناة بعد توقف أحد المخابز الآلية في وسط المدينة بسبب عطل فني، حيث يوجد في مدينة الحسكة ثلاثة مخابز آلية للدولة فقط، وستة أفران نصف آلية وثلاثة أفران تموينية عادية، بالإضافة إلى بعض الأفران السياحية والتنور، للقطاع الخاص، كما تزايد التعداد العام للقاطنين بالمدينة بعد توافد أعداد كبيرة من النازحين إليها من مختلف المناطق القريبة والبعيدة، بنتيجة الحرب والأزمة.

رغيف اختلط بالدماء

أهالي المدينة لم ينسوا مشهد رغيفهم الذي اختلط بالدم على أثر الهجوم الإرهابي الذي نفذه أحد الفاشيين بتفجير نفسه على باب أحد الأفران بمنطقة العزيزية، والذي ذهب ضحيته بحدود 40 شهيداً و 80 جريحاً، خاصة وقد أصبح تأمين هذا الرغيف من الصعوبة بمكان، بظل احتكار المخبزين الآليين الآخرين من قبل المتنفذين في المدينة، حيث مخبز آذار محتكر من قبل بعض المحسوبين على الإدارة الذاتية ولحسابهم ولمصلحة أتباعهم فقط، ومخبز الباسل محتكر للمحسوبين على جهاز الدولة، بمؤسساته المختلفة، ولحسابهم ولمصلحة أتباعهم فقط، بحيث لم يبق للمواطن العادي إلا اللجوء للبائعين المحسوبين على الطرفين والذين يبيعون ربطة الخبز بسعر يتفاوت بين 150 ليرة و 200 ليرة حسب واقع الحال، في استغلال مباشر لحاجة المواطنين، التي تأتي أياماً لا تتوفر فيها المادة أيضاً، فيضطروا لشراء البديل السياحي الذي وصل سعر رغيف الخبز فيه إلى 50 ليرة، وذلك حسب الإمكانات المادية المتوفرة لدى هؤلاء، ومدى حاجتهم، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل أكبر على البرغل والرز كبديل منزلي لعدم توفر المادة، ما يزيد من معدلات الإنفاق الأسري بالنتيجة.

الملفت للنظر أن بعض البائعين يقفون أمام المباني الرسمية ويبيعون الربطة بهذه الأسعار، مما يكسب هذا البيع غير المشروع صفة شبه رسمية أمام أعين الرقابة المتمثلة بالقائمين على إدارة هذه المباني الحكومية.

شكل جديد للاستغلال والاثراء 

أحد الأفران الخاصة قام بالاتفاق مع الأهالي على نظام الاشتراك الشهري المقطوع بـ 3000 ليرة شهرياً، مقابل ربطة خبز واحدة باليوم، بمعدل 100 ليرة للربطة، وقد بلغ عدد المشتركين لديه 1000 مشترك من المواطنين، وهو لا يبيع المواطنين الآخرين بذريعة التزامه بالمشتركين لديه، ومع ذلك يتوقف هذا الفرن عن العمل أربعة أيام بالشهر، ما يعني فقدان 400 ليرة من حساب المشترك لحساب صاحب الفرن، أي 40 ألف ليرة شهرياً هي أرباح إضافية صافية يحصل عليها صاحب هذا الفرن دون عناء وجهد وتكلفة، ناهيك عن أرباحه الأخرى غير المشروعة والمتمثلة بالفارق بين السعر النظامي لربطة الخبز والـ 100 ليرة الذي يتقاضاها، بعيداً عمن يتابع جوازية قوننة مثل هذا الأمر، سواء ناحية المخصصات وهل يستهلكها فعلاً لتغطية احتياجات الـ 1000 مشترك لديه، أو ناحية السعر المفروض من قبله لقاء هذه الخدمة، أو من حيث الامتناع عن بيع المادة للمواطنين الآخرين.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن نوعية الخبز بشكل عام داخل المدينة سيئة ناحية المواصفة، سواء من حيث المواد الداخلة بالعملية الإنتاجية وخاصة الطحين، أو من حيث التصنيع ناحية الاسمرار وعدم النضج بسبب سوء التخمير، وغيرها من الأسباب التي تجعل من هذا الرغيف سيئاً بشكل عام، ومع ذلك ترى الناس يلجؤون إلى تغليف ما يحصلون من هذه المادة عن أعين بعضهم البعض، وكأنهم قد حصلوا على ثروة وكنز.

نقص المادة بحاجة لحلول

عموماً ما هو واضح أن هناك نقصاً حاداً بتوفر المادة، مما يوقع المواطنين تحت وطأة الاستغلال، وبغض النظر عن بعض الإجراءات التي يمكن أن تتمثل بتغيير جزئي هنا أو ترقيع آخر هناك على المستوى الإداري والتنفيذي في طواقم الأفران والمستودعات وغيرها، فإن المشكلة المتمثلة بنقص المادة لا تحل إلا عبر محورين أساسيين، الأول هو: زيادة الكميات المخصصة وساعات التشغيل بما يتناسب مع التعداد السكاني وحاجاتهم، والثاني هو: بكسر حلقات الاستفادة والفساد التي تشكلت على هامش حاجة الناس لهذه المادة، وذلك عبر تشديد وسائل الرقابة وتحسين آلياتها، مع اتخاذ العقوبات الجدية والرادعة بحق المتلاعبين بقوت المواطنين الأساسي والمتمثل برغيف الخبز، مع وقف الامتيازات كلها التي تم فرضها من قبل الأطراف المتنفذة بما يتعلق بهذا الرغيف، فهو حاجة ضرورية حياتية ومعيشية عامة من المخزي أن تكون بمعرض البازارات والولاءات والمنافع، خاصة بظل تبجح هذه الأطراف عن كونها مدافعة عن الناس وحقوقهم ومستقبلهم.