دمشق القديمة تعاني
بيوت وحارات دمشق القديمة وباب شرقي وباب توما طغت عليها الاستثمارات من كل حدب وصوب خلال الأعوام الماضية، حيث باتت المطاعم تغلب على طابعها العام السكني، بالإضافة إلى الفنادق وغيرها من مشاريع الاستثمار الأخرى، وفي بحث المستثمرين عن مردود أعلى لاستثماراتهم بدأت تطغى على تلك البيوت والحارات النوادي الليلية والبارات كبديل عن المطاعم التي لم تعد تكفي طمع المستثمرين وجشعهم.
أهالي الحي لم يعبروا سابقاً عن استيائهم من المطاعم التي انتشرت بالمنطقة مثل النار بالهشيم، ولكنهم بدأوا بالتعبير عن هذا الاستياء مع تحول بعض هذه المطاعم والبيوت إلى أماكن للعربدة وافتعال المشاكل مؤخراً، كما يخشى بعضهم من انتشار آفات ومظاهر اجتماعية سلبية أخرى مثل تعاطي الحشيش والمخدرات وغيرها من المظاهر والظواهر الاجتماعية المسيئة والسلبية، حسب رواية بعض أبناء الحي، والتي تهدد جمالية النسيج المجتمعي لدمشق القديمة بعراقته وأصالته.
معاناة الأهالي تزداد مع اقتراب ساعات المساء والليل، حيث الأصوات المرتفعة التي تصدح بها هذه الأماكن باتت مصدراً للإزعاج المستمر حتى طلوع الصباح، ولعل ضيق الحارات في تلك المنطقة سبباً إضافياً للاستياء، حيث يمكن للهمسة بالشارع أن تسمع داخل المنازل، فكيف الحال بالصخب والأصوات المرتفعة.
الأهالي كانوا مع افتتاح بعض المحال في حاراتهم، بما يمنحها المزيد من الجمالية عبر بث بعض من روح الحياة العصرية فيها، خاصة وأنها كانت تلتزم بساعات عمل محددة، كما كانت تلتزم بغالبيتها بالأغاني التراثية والتقليدية من قدود ودمشقيات وغيرها من أنواع الغناء والموسيقى مما يطلق عليه اغاني السلطنة والطرب، ولكن مع واقع الانفلات التي أصبحت عليه بعض المحال مؤخراً، أصبح الواقع المعاشي اليومي لسكان دمشق القديمة أشبه بالمأساة، حيث لا نهارهم نهار ولا ليلهم ليل، كما ما زالت موجة الانتشار والتوسع في افتتاح المزيد من تلك المحال تفعل فعلها في المنطقة، على حساب الحارات والأهالي والتراث، وموضوعة الحفاظ على دمشق القديمة أصلاً.
فأين رعاة دمشق القديمة، وأين محافظة المدينة، وأين وزارة السياحة وأين مخافر الشرطة والبلديات من كل ما يجري في حارات دمشق القديمة وما آلت إليه على أيدي المنتفعين والسماسرة والمستفيدين والمستثمرين، والقائمة تطول وتطول! .