ستريكو ميقري ستريكو ميقري

يجب الاحتكام للقوانين.. وليس تجاوزها

تشغل بال الكثير من المواطنين قضية نزع ملكية أراضي الفلاحين في منطقة المالكية في محافظة الحسكة، التي يجري تنفيذها تحت ذريعة عدم حصول هؤلاء الفلاحين على التراخيص القانونية وفقاً لأحكام القانون رقم /41/ لعام 2004، بزعم أن هذه الأراضي تعود ملكيتها للدولة، في حين أن هؤلاء الفلاحين حائزون على ملكية أراضيهم منذ تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في سورية، أي منذ ستينيات القرن الماضي.

هنا لابد من إيجاد تعريف واضح للدولة وملكية الدولة, فإن كان البعض يرى فيها جهة اعتبارية منفصلة عن الشعب أو المواطنين فهذا خطأ فادح, لأن الدولة تعني الشعب، وملكية الدولة تعني ملكية الشعب، والشعب هو الذي يصنع ويصون ويدافع عن دولته.. هذا أولاً. أما ثانياً فإن وجود الدولة يعني بحد ذاته وجود القوانين، وبدونها تتحول الدولة إلى غابة يسيطر فيها القوي على الضعيف ينهبه ويمص دمه دون وازع أو رادع.. واعتماداً على ذلك نستطيع القول إن حقوق الفلاحين يصونها الدستور والقوانين المعمول بها، وأية محاولة لانتقاصها هي خروج عن القانون، وبما أن ذلك يتزامن مع التهديدات الصهيونية بإعادة سورية إلى العصر الحجري، تصبح المسألة ليست خروجاً عن القانون فقط، بل تتعداها إلى ما هو أخطر بكثير..

إن القوانين السورية لحظت في متنها الحفاظ على حقوق الدولة والشعب معاً، وكمثال على ذلك نسلط الضوء على المواد التالية:

1- تنص المادة 917 من القانون المدني السوري على: (من حاز منقولاً أو عقاراً غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عينياً على منقول أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة).

هذه المادة توضح نفسها بنفسها ولا تحتاج إلى تفسير، فبمجرد انقضاء 15 سنة على الحيازة يُعطى صاحبها الحق في التملك.. أما المادة 918 من القانون المدني فتخفّض مدة الحيازة إلى خمس سنوات إذا اقترنت بحسن النية واستندت إلى سبب صحيح حيث تقول: (إذا وقعت الحيازة على العقارات أو الحقوق العينية المبينة في المادة السابقة وكانت مقترنة بحسن النية ومستندة في الوقت ذاته إلى سبب صحيح فإن مدة التقادم المكسب تكون خمس سنوات).

واقتران الحيازة بحسن النية يعني توافقها مع القوانين الجارية، وهي كذلك في قضية فلاحي المالكية لأنها تمت بعقد صحيح بين هؤلاء الفلاحين وبين الدولة، استنادا إلى قانون الإصلاح الزراعي. أما السبب الصحيح فهو العقد المبرم بين الدولة وبين المستفيدين، وهم هنا الفلاحون، استنادا إلى قانون الإصلاح الزراعي الذي تم بموجبه التأجير.  

كما إن المادة 919 تنص على حق الحائز للأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة بتسجيل تصرفه فيها حتى دون سند خلال مدة عشر سنوات من تاريخ الحيازة: (يكتسب حق تسجيل التصرف بالأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة بمرور عشر سنوات من تاريخ الحيازة بسند أو بغير سند بشرط أن يكون الحائز قائماً بزراعة الأرض).

2- لقد كان حريا بالجهات المسؤولة أن تلغي عقود الإيجار مع الفلاحين المنتفعين وتحويلها إلى عقود ملكية، خصوصاً وأن المدة التي استفاد منها الفلاحون من عقود الإيجار هي 40 عاماً، وقد قاموا خلال هذه المدة الطويلة باستصلاح الأراضي وتحسينها والبناء عليها وحفر الآبار فيها، لذلك فإن المادة 1017 لحظت في متنها هذه الأمور فنصت على: (1ـ الإجارة الطويلة عقد يكتسب به صاحبه مقابل بدل معين حق إحداث ما شاء من الأبنية وغرس ما شاء من الأغراس في عقار موقوف. 2 ـ ويمكنه أيضاً أن يكتسب ملكية هذه الأبنية والأغراس ضمن الشروط المعينة في المادة 1020).

والمادة 1020 تنص على: (لصاحب حق المقاطعة أن يحوز بأي وقت ملكية العقار مقابل بدل معادل لقيمة ثلاثين قسطاً سنوياً)، ويقصد بالمقاطعة هنا البدل السنوي المقطوع، وباعتبار أن الفلاحين يحوزون أراضيهم منذ سبعينيات القرن الماضي، وهم مثابرون على دفع ما يترتب عليهم من أقساط سنوية لقاء عقد الإيجار فإنهم بذلك استوفوا الشرط المذكور بالمادة 1020 آنفة الذكر، بل وزادوا عليه 10 سنوات إضافية.. أي دفعوا 40 قسطاً سنوياً وليس 30 كما تنص المادة، لذلك يصبح حقهم مشروعاً ومضموناً حتى يتملكوا أراضيهم دون منة من أحد. بل إن المادة 1022 أعطت صاحب حق المقاطعة حقوقا إضافية أخرى حيث تنص على: (1 ـ إن صاحب حق المقاطعة هو مالك لكل الأبنية المشيدة ولكل الأغراس المغروسة في العقار الموقوف فيستعملها ويستغلها ويتصرف بها بملء الحرية، تصرف المالك. 2 ـ وله بنوع خاص أن يتفرغ عنها ببدل أو بدون بدل، وأن يرهنها أو يجري تأميناً عليها، وأن يقفها أو يفرض عليها أي حق عيني آخر أو ارتفاق ضمن حدود حقه).

3- يجب التنويه أنه في حال تم تنفيذ القرار 2707/ ص تاريخ 17/3/2010، فإن عشرات الألوف من الفلاحين وذويهم وأبنائهم وأسرهم الذين سيحرمون من مصدر رزقهم الوحيد، سيصبحون عاطلين عن العمل، فهل هذا ما تريده الحكومة التي تدعي سعيها لمحاربة البطالة؟، ثم ماذا ستفعل الحكومة بهذه الأراضي؟ هل ستقوم باستثمارها بنفسها، وهذا غير ممكن لأنها ألغت منذ فترة قريبة ما كان يسمى بمزارع الدولة، ووزعت أراضي هذه المزارع للعاملين فيها، أم إنها ستملكها أو تؤجرها لآخرين ليقيموا فيها مشاريعهم الوهمية؟

إن من عمل بالأرض مدة أربعين عاما أحق من غيره في تملكها، وهنا ندعو للتنبه ممن يسعون لضرب استقرار البلاد عبر الإساءة لفلاحي الوطن من خلال محاولة العودة عن الإصلاح الزراعي تمهيداً لإلغائه.