من يحمي المستهلك من حُمَّى جشع التجّار وإهمال الحكومة؟

إن مراقبة سلامة وجودة السلع الغذائية في الأسواق، هي من أهم المؤشرات التي تدل على مدى تدخل الدولة الصحيح والحيوي لحماية مواطنيها والسهر على راحتهم، فحرص الدولة على أن تكون (هذه السلع) مستوفية لجميع الشروط التي تجعل منها منتجاً صالحاً للتداول أو الاستهلاك، دون أن يشكل أية أضرار صحية أو مادية تلحق بالمستهلك، واجب عليها وحق للناس الذين ائتمنوها على حياتهم.

من هذا المنطلق، فمن المفترض أنه عندما يقوم المواطن بشراء أية سلعة، فهو يقوم بذلك ولديه الثقة الكافية بجودة هذا المنتج، ومطابقته للمواصفات العامة والخاصة المحددة له، دون أن يشعر بالخوف من احتمال وجود أي خلل في عملية الإنتاج، أو الاستيراد..
لكن في الحقيقة ليس هذا ما يحصل، فالمواطن في بلدنا اتخذ من القلق شعاراً في تجواله لاقتناء حاجاته من السلع الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، وهذا لم يأت من عبث، فغالبية المنتجات لدينا حتى اليوم لم ترق إلى مستوى السلعة السليمة، لا بل إنها على الغالب، اتخذت اتجاهاً مختلفاً تماماً، سواء على صعيد التلاعب في مكونات المنتج الأساسية والتقنين فيها، وصولاً إلى الإجراءات التي تحفظ المنتج من التلف السريع. والأمثلة كثيرة على ذلك، وهي تملأ الصحف، حتى الرسمية منها!!
فمن أين ستأتي ثقة المواطن بنوعية الإنتاج إذا كانت أن نسبة كبيرة من منشآت القطاع الخاص المحلي لا تلتزم بالجودة، ولا يأتي في مقدمة أهدافها إلا تحقيق مستوى عال من الربح بغض النظر عن تقيدها بشروط الصحة العامة، وما قد ينتج عن ذلك من حدوث أضرار تطال المستهلكين.
إن عدد الإصابات التي تحصل في صفوف المستهلكين السوريين نتيجة سوء استخدام المواد الحافظة، أو سوء الإنتاج أو التخزين، لا يمكن تجاهلها، وهي لم تحصل بصورة طارئة يمكن أن يمر عليها المرء دون اهتمام، بل إنها متكررة ومتجددة، ويأتي في مقدمتها حالات التسمم التي تكاد تصبح يومية، وهذا له مؤشرات ودلائل عديدة يجب التمعن فيها.
الأمر الخطير الذي يثير علامات استفهام عديدة، هو التلاعب بصلاحية المنتج، فعند كساد بعض المنتجات، وتعرضها للتلف نتيجة انتهاء مدة صلاحيتها، تلجأ بعض المصانع المنتجة لهذه السلع إلى إعادة تأريخها بتاريخ جديد، ومن ثم إعادتها إلى السوق بدلا من إتلافها، وكالعادة يقوم المواطن/المستهلك الذي يعتقد أن جهات محددة حريصة على سلامته الشخصية تسهر وتراقب الأسواق، باستهلاك السلعة بعد تفقد تاريخ إنتاجها، دون أن تكون لديه خلفية عن مدى التلاعب الذي قد يرتكبه بعض المنتجين من أجل وصولهم إلى أرباح إضافية، يضيفونها إلى خزائنهم العامرة، فيما الجهات الرقابية تغط في سبات عميق.
لقد وصلنا إلى وقت لا يمكن أن نحدد فيه درجة الجشع التي بلغها من لا ضمير لهم، حتى طال هذا الجشع أرواح الناس التي أصبحت ضمن ميدان تنافسهم لتحقيق أكبر كمية من المبيعات وأكبر قدر من الربح، فأين هي الجهات المخولة بالرقابة على خطوط الترخيص والإنتاج والتسويق؟
ما دور كل من وزارتي الصحة، والتجارة والاقتصاد من كل هذه الانتهاكات، ولماذا لا تمارس الرقابة الجادة الصارمة؟.
إن ما يحصل مرده لعدم التعاطي الجاد مع القضايا التي تهم المواطن، وعدم التزام كل جهة القيام بوظائفها المفروضة عليها، لاتخاذها من الفوضى والاستهتار والفساد سبيلاً في إدارة أعمالها.. والمواطن هو الضحية دائماً..