جبلة المنسية

جبلة المنسية

يعاني أهالي مدينة جبلة من الفوضى، حيث لا ضوابط ولا قانون ولا جهات رقابية، المواطن العادي فقد احترامه لذاته بظل التفلّت والفوضى المنتشرة، وبظل عدم الاكتراث به وبمعاناته، ولسان حال الأهالي يقول وكأن المسؤولين قد اعتادوا على تضحياتنا، فلم يعودوا يكتفون بأرواحنا، فاستباحوا لقمة عيشنا، لتتبعها كرامتنا التي تهدر بكلمة «عروف مع مين م تحكي».

الواقع المعيشي والخدمي بلغ حدود الازدراء، اعتباراً من الكهرباء مروراً بالماء، وليس انتهاءً بالأسعار التي لا ضابط ولا حدود لها، حيث تتباين الأسعار والمواصفة من محل لآخر، وخاصة للسلع والمواد الأساسية، ولا دورية تموين ولا صحة ولا محافظة ولا رقابة من أية جهة كانت، ولعل الضابط الوحيد هو واقع فقر الحال العام الذي يضع حدوداً قسرية لبعض الأسعار فقط.
مصادر الدخل بالنسبة للأهالي تتمثل بالوظيفة العامة أو بالأعمال الزراعية بشكل عام، مع بعض الحرف والورشات الصغيرة والمحال التجارية، بالإضافة إلى القلة التي ما زالت تعمل بصيد السمك، وبشكل عام يعتبر أهالي مدينة جبلة من أصحاب الدخل المحدود، وقد كانوا وما زالوا بمجملهم على عتبة الفقر، كما غيرهم من السوريين.
كل مصادر الدخل تلك تعرضت للتآكل خلال السنين المنصرمة، من الأجور التي لم تعد تكفي لسد الرمق، إلى الزراعة التي تعرضت للانحسار والتراجع بسبب الخسارات المترتبة على المزارعين بنتيجة سوء السياسات الليبرالية العامة، وأخيراً استفحال ظاهرة الفساد وتجار الأزمات والتشبيح التي طالت كل ما تبقى من رمق، تحت أعين المتنفذين، حيث أصبح الكل يخشى من الكل، فكل من هؤلاء يعتبر نفسه محسوباً على هذه الجهة المتنفذة أو تلك، ولكن بالنتيجة الكل يتم استغلاله واستهلاكه، كما يفرض عليهم بالمقابل ذاك الصمت الذي أصبح عبئاً ثقيلاً على حياتهم ومعاشهم.

أحد أهالي المدينة قال: «كل شيء تغير في جبلة باستثناء سوق السمك، حيث ما زال الصيادون على تقاليدهم يجتمعون في مكان واحد لبيع ما تم اصطياده من قبلهم عبر أسلوب المزاد، ويتقاسمون مع بعضهم الأرباح حسب الكمية التي اصطادها كل منهم، وهم بالإجمال يعرفون بعضهم وأوضاع كل منهم، ما عدا ذلك كله تغير نحو الأسوأ».
أهالي جبلة يعتبرون أنفسهم ومدينتهم من المنسيات الغائبة عن خطط الحكومة وبرامجها، على الرغم أنهم غير منسيين من الإرهابيين ومشاريعهم الانتحارية في المدينة، وقد عبر أحدهم عن ذلك بقوله: «لولا العملية الإرهابية الانتحارية التي تمت على مدخل المشفى الوطني بالمدينة، رحم الله شهداءها، لبقيت هذه المشفى على حالها منسية وغائبة».