من سيعوض من؟

من سيعوض من؟

استقبل المواطنون مرسوم زيادة التعويض المعيشي، بتهكم شديد، لم يرض معه الموظف قبل غير الموظف، لإدراك الجميع بأن ما سيؤخذ منهم مع رفع أسعار المحروقات، الذي سيؤدي لموجة غلاء جديدة، أكبر بكثير من المبلغ «الزهيد» الذي تم زيادته للبعض، على حد وصف الناس.

مرسوم زيادة التعويض المعيشي وقرار رفع أسعار المحروقات، تم تسريبهما قبل الصدور، ولم يمنع استياء المواطنين ورفضهم القرارين معاً، من اقرارهما رسمياً.

مواقع التواصل الاجتماعي، ضجت بالقضية، وانتشرت فيها الأنباء ومن بعدها القرارات الرسمية بسرعة كبيرة، بمختلف التعليقات والمنشورات، التي لم يخل معظمها من الاستياء والتذمر، جراء صعوبة الوضع الاقتصادي، والتوقعات بمزيد من المعاناة بسبب رفع أهم حوامل الطاقة (المازوت)، وما سيجره ذلك من ارتفاع في الأسعار كافة تتالياً.

مواطنون: الحكومة تتآمر علينا وتعيش على كوكب آخر

بعض المواطنين، اتهموا الحكومة بـ«التآمر» ضد الناس، حيث قالت لين «هل تريد الحكومة أن يموت الناس فقراً وجوعاً، ما الفرق الآن بين من يقتل بالسلاح ومن يقتل بقراراته الجائرة؟».

ومن جانبها قالت ندى «أليس من المفروض قبل إصدار هكذا قرار، أن يتم التأكد من أن الجميع يحصل على راتبه الشهري، أقربائي من موظفي إدلب، ولم يقبضوا رواتبهم منذ أكثر من 6 أشهر».

أما أمير فعبر عن استيائه من القرار بقوله «موظفين!! هل تعيش هذه الحكومة على كوكب آخر، ماهي نسبة الموظفين من مجمل المواطنين، معظمنا لا يملك وظيفة، ويؤمن عيشه كل شهر بطريقة لا يعلمها إلا الله، ألم يفكروا في بقية الشعب، من سيعطيه فرق الارتفاع في الأسعار، أم أن أعضاء مجلس الشعب سيمرون على منازلنا ويعطونا الفرق!!».

في حين تساءل حسام «ماذا عن موظفي القطاع الخاص، نحن بلا عقود وبلا تأمينات، وعملنا كله لا ضمان فيه، نحمد الله كل شهر إن قبضنا الراتب، فلا شيء يثبت رابطنا بمكان العمل سوى ضمير المدير، كيف سيطبق المرسوم علينا؟»، لافتاً إلى أنه سيكون مثله مثل بقية القوانين والقرارات التي لا تمر من القطاع الخاص بتاتاً.

وزارة العمل جهة «منفذة» 

يقتصر دور وزارة العمل، على إصدار التعليمات التنفيذية للمرسوم، دون الاجتهاد والإضافة عليه، وفق ما أوضحه معاون وزير العمل راكان ابراهيم في تصريحات إذاعية، حيث قال إن «القطاع الخاص مشمول في مرسوم زيادة التعويض المعيشي كما شمل القطاع  التعاوني والجمعيات الأهلية في الزيادة».

وتابع ابراهيم إن «التعويض ناتج عن غلاء المعيشة، والمرسوم حدد الجهات المستفيدة، فنحن كوزارة ليس من مهمتنا الاجتهاد زيادة على ما نص عليه المرسوم الذي حدد كل من يشمله».

والعامل الموسمي «عوضه على الله»

وأردف معاون الوزير «أي عامل عرضي موسمي لا يستفيد من أحكامه، لأن طبيعة العمل الذي يقوم به موسمية وغير دائمة، فيما يستفيد منه العاملون في القطاع الخاص والمتعاقدون بموجب عقود سنوية محددة المدة أو غير محددة المدة، أو عقود سنوية لإنجاز عمل معين، حتى لو كانت بساعات دوام أقل من مدة الدوام الرسمي 8 ساعات».

وفيما يخص ألية تطبيقه وتنفيذه، أوضح ابراهيم إنه توجد ضابطة عدلية في الوزارة، وأخرى في مؤسسة التأمينات، مهمتها مراقبة التطبيق، وتقوم بجولات تفتيشية دورية ضمن المناطق الآمنة فقط حالياً، فضلاً عن الاستعداد التام لتلقي شكاوى حتى لو كانت مغفلة الاسم، على أي صاحب عمل لا يلتزم بدفع التعويض أو أية مخالفة أخرى.

ولفت ابراهيم إلى أن «طرق تقديم الشكوى ممكنة عبر الهاتف على الرقم 2322428، أو عبر إرسالها لموقع الوزارة على شبكة الإنترنت، أو عبر تقديم معروض خطي في الوزارة أو إحدى مديرياتها»، مؤكداً إن «عدم وجود عقد للعامل في القطاع الخاص هي مخالفة أيضاً، وعدم منح تعويض وعدم تسجيله بالتأمينات، مخالفات أيضا».

وبحسب تقديرات معاون وزير العمل، يصل عدد العاملين في القطاعين العام والخاص معاً لحوالي 3 مليون عامل.

الغلاء على الجميع والتعويض للبعض

أما نقابات العمال، فأكدت كذلك عدم إمكانية توسيع أو إضافة بنود في التعليمات التالية لصدور المرسوم، بما يضمن تنفيذه على كافة الفئات العمالية كافة، وقال رئيس اتحاد نقابات العمال جمال القادري «كنا نتمنى أن تشمل زيادة التعويض المعيشي الجميع، باعتبار الغلاء يطال الجميع، لكن مع صدور المرسوم تم تحديد من يستفيد منه من العمال بالقطاعات المختلفة بشكل واضح».

وأكد القادري «إن النقابات ستواصل عملها فيما يحقق الإنصاف للعمال المياومين، أولا، بتحويل عقودهم إلى عقود سنوية أو تثبيتهم ثانياً لجهة تعويضهم معيشياً».

ونوه القادري إلى «سعي النقابات باتجاه دفع التعديلات التي أدخلت على القانون رقم 50 للعاملين في الدولة، إلى الإقرار، حيث يتضمن القانون بصيغته المقترحة معالجة لأوضاع العمال المياومين، بتحويل كل من أمضى سنتين بصفة عامل مياوم لعامل بعقد سنوي، الأمر الذي سيؤدي بالتالي لأن يصبح مشمولا بأحكام المرسوم المتعلق بالتعويض المعيشي».

وكشف القادري إن اللجان المختصة أنجزت التعديلات كافة وهو على طاولة الحكومة، وبمجرد تشكيل الحكومة الجديدة سنبدأ جولة مفاوضات لحل عشرات القضايا العمالية العالقة  لوقت طويل دون أن تجد طريقاً للحل.

وفيما يخص طرق حث أرباب العمل في القطاع الخاص على تنفيذ طلبات العمال وتأمين حقوقهم، قال القادري إن «المرسوم شمل القطاع الخاص ومخالفته تعتبر مخالفة لنص قانوني، والقضايا الأخرى التي لها سند بالقانون ندفع بقوة القانون تجاهها، أما بقية الأمور فنسعى عبر الحوار مع أرباب العمل على تحقيقها، لكن لا يستجيب الجميع بحجة الظروف».

وليس خفياً على أحد، أن وجود أكثر من 5.6 مليون نازح في سورية، يكدون في مأواهم إن وجد، لن يجعل من قرار رفع أسعار المحروقات، محمود العواقب، وبالمقارنة مع عدد العاملين في القطاعين العام والخاص الذي أورده معاون وزير العمل والبالغ 3 مليون عامل، لن يكون من الصعب تصور تدني النسبة المستفيدة من التعويض، فضلاً عن هزالة الرقم، الذي لا يكفي لشراء 2 كيلو لحمة عجل بالسعر الرسمي.

والحال كذلك عبر السياسات الليبرالية التي تزيد من إفقار المواطنين وعوزهم، سيبقى المواطن أسيراً للمثل القائل «بالع الموس ع الحدين» والمتمثل برفع الأسعار الرسمية للمواد الأساسية وخاصة المحروقات، وما يتبعها من رفع لبقية أسعار السلع والخدمات، وبين التهليل والتهويل الرسمي عن حجم التعويضات التي يمنن بها المواطنين، وهم بغالبيتهم غير مستفيدين منها، بل ومتضررين بالنتيجة من مجمل هذه السياسات.