نحن هنا.. وأنتم هنا
قد تبدو الكتابة عن أحوال مخيم اليرموك، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سورية بعد النكبة، ضرباً من ضروب الجنون. نحن، من نعيش تفاصيل الحصار والدمار والاقتتال داخله يومياً، تبدو لنا التفاصيل أسرع مما يتخيله عقل إنسان. ويبدو، نتيجة لذلك، اجتزاء تفصيل من تفاصيل المعيشة في داخله ظلماً وإجحافاً بحق التفاصيل التي لا يحق إسقاطها أبداً. هنا، في المخيم، كل شيء ضروري.
أنتم، من تعيشون خارج المخيم، أو من دفعتكم الظروف إلى النزوح عنه في وقت مبكر، بقيت عالقة في أذهانكم صورة المخيم «الجميل»، المخيم «الحلو»، تشتهون وجبة خفيفة من مطعم الطربوش، أو حضور فيلم «فوق الثامنة عشرة» في سينما «النجوم». ومن عاش فيكم فترة فيه، سيحبذ، لا شك، سهرة شبابية في حديقة الشهداء، أو ربما حضور «مباراة شعبية» في النادي العربي الفلسطيني. هل تذكرون تلك «الأشياء كلها»؟ إنها حقاً لم تغادر المخيم حتى الآن.
صحيح أن السينما قد احترقت، وأن النادي العربي تحول إلى ثكنة عسكرية، وأن حديقة الشهداء باتت تضم إلى صدرها عدداً آخر من الشهداء الدراويش. لكن روح المخيم التي كانت تختزلها تلك الأماكن لا تزال حاضرة. لا تزال الأسر الفلسطينية والسورية في المخيم مصرة على الحياة، ليس كيفما اتفق، بل لأن أملاً وعزيمة على الحياة لا يمكنها أن تموت داخل المخيم. لقد علّمنا المخيم وأهله أنه لا مكان لليأس في بيئة جُمِع أهلها أساساً على المقاومة.
سأحدثكم عن اليرموك من الداخل، كلما سنحت لي الفرصة في الداخل أيضاً لإرسال مادة إلى صحيفة قاسيون، وستكون هذه محاولة من المحاولات الكثيرة للتراسل بيننا، نحن من في الداخل، وبينكم، من تعرفون اليرموك وتتركون في قلوبكم مساحة خاصة له. وأود أن أقدم الشكر للجريدة سلفاً على فتحها منبر لي.