من الذاكرة: البصر... والبصيرة

مرت خلال عطلة العيد، وبالتحديد في يوم 28 تشرين الأول الذكرى الثامنة والثمانون لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. ففي عام 1924 عشية الثورة السورية الكبرى، اجتمع عدد من ممثلي الفرق الماركسية في سورية ولبنان، وقرروا توحيد منظماتهم في حزب موحد على أساس الماركسية اللينينية، وأن يقيم علاقته مع الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم حسب مبادئ الأممية البرولتارية، وقرروا إبلاغ مكتب الأممية الشيوعية قرارهم هذا، ورغبتهم بالإنضمام إلى صفوفها كفصيلة من فصائلها المكافحة في سبيل تحرير وطنها من نير الاستعمار، وفي سبيل تقدم شعبها، وتحرير عماله وفلاحيه من نير الاضطهاد والاستثمار، والإسهام في بناء عالم جديد قائم على إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

وأعلنت قيادة الأممية الشيوعية موافقتها على طلب هذه الطليعة الثورية من الشباب في 28 تشرين الأول من العام 1924، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الحزب الشيوعي السوري نشاطه المنظم المرتبط بالحركة الشيوعية العالمية.

وفي الواقع وكما قال الشيوعي المزمن عبد المعين الملوحي: يكفي لكل إنسان أن تكون له عين بصيرة ترى ما وراء ما تراه العين الباصرة، وأذن مرهفة تسمع خلف ما تسمعه الأذن الظاهرة حتى يكون إنساناً أولاً وشيوعياً ثانياً.

لقد دنست الرأسمالية الأرض ومن عليها.. وآن لها أن ترحل، ولقد حان للاشتراكية أن تطهر هذه الأرض الحزينة وأن تنقذ أبناءها الأشقياء.

ومن حق الذكرى الغالية علينا أن نتحدث عن صفحات من تاريخ مجيد سطرته أجيال متتالية من الشيوعيين المنحدرين من صلب شعب نعتز بالانتماء إليه.. وليس غريباً أن تستفيض الذاكرة بهذه المناسبة بانبعاث ذكريات أحداث وحوادث ومواقف وتضحيات رافقتها نجاحات وإخفاقات، تقدم وتراجع، أفراح وآلام، احتفالات واعتقالات.

إن ساحات النضال الوطني والطبقي التي احتضنت عبر ثمانية وثمانين عاماً آلاف آلاف الشيوعيين وجموع الوطنيين قاطبة، تحفظ وبكل الاحترام والتقدير أسماء رفاق بواسل خاضوا غمارها بكل الجرأة والتضحية ونكران الذات، يحدوهم فكر علمي ثوري وواجب وطني وطبقي مترفعين عن الصغائر والهوان والخنوع، فذكر الشعب لهم عاطر السمعة وصادق السعي والكفاح لخير الوطن وتحرره وازدهاره، فصاروا مشاعل نور ونار ونماذج وقدوة تلهب حماس الجماهير، ولا أدل على ذلك من سطوع أسماء عديدة من جيل بناة الحزب والجيل الثاني ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

فؤاد الشمالي.. نقولا شاوي.. فوزي الزعيم.. ناصر حده.. خالد بكداش.. فرج الله الحلو.. رشاد عيسى.. سليم خياطة.. أرتين مادويان.. هيكازون بوياجيان.. علي خلقي.. محمود الأطرش.. مصطفى العريس.. كامل عياد.. فوزي الشلق.. مقبولة الشلق.. فلك طرزي.. بدوية شمس الدين أخت رشاد عيسى.. فضة حلال.. نجاة قصاب حسن.. وصفي البني.. إيليا مباردي.. أحمد محفل.. مصطفى وأحمد العشا.. عبد المعين الملوحي.. اسكندر نعمة.. وصفي القرنفلي.. عبيد البطل.. يوسف خطار الحلو.. فؤاد قازان.. عبد الجليل سيريس..نسيب الجندي.. شفيق داود آغا.. إبراهيم بكري.. بهجت قوطرش.. حسين عاقو.. نصوح الغفري... عمر سوركلي ،و . . .

ولعل القصيدة التي ألقيتها في الاحتفال المركزي بالذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري وكنت يومها عضو مكتب دمشق لاتحاد الشباب الديمقراطي ومسؤول اللجنة الاتحادية في حي ركن الدين الذي احتضن الاحتفال في دار أبو بلال آل رشي عام 1974 وكانت اللجنة الاتحادية مكلفة بحماية المنضة والقصيدة مؤلفة من خمسين بيتاً، سطرت بعضاً مما لهذا الحزب المجيد من دور وطني وطبقي، لا يمكن إلا أن يكون جزءاً مشرفاً من تاريخ شعبنا ووطننا... ومن أبياتها:

نسجَ النضالُ على أصولكَ والفروع

ألَقَ الحياة ودكّ أعمدةَ الخنوعِ

حزبَ الجلاء بكل ساح تَزدهي

بكَ ثورُة الوطن الحبيب على الخضوعِ

بخضارِ غوطتنا نجيعُ دمائنا

وخصيبةٌ أرضٌ تَعَطَّر بالنجيعِ

فمشتْ على سُبُل العطاء مواكبٌ

تواقَة للحب هل وللربيعِ

كم في دروبكَ من مشاعل عزة

ستظل تغري شمس شعبي بالطلوعِ

أجيالُكَ الموصول مَدُّ جموعهم

خبروا النضال فألهبوا عزم الجموع

المزة الظلماء بددّها بهم

عزم الصمود سما على ذل الركوع

إنا شققنا فوق صمّ صخورها

درب الأباة ولن يكون إلى رجوع

فإذا مررت بساحهم فاقرأ بهم

صافي أصول فجرت زخم الفروع

الشعب أدرى بالرجال وحبهم

شتان ما بين المناضل والوضيع

إني قرأت على العيون شعسارهم

قمم المصاعب تحت أقدام الشيوعي

وحملت في الأعماق حبهم الذي

لولاه ما رف الهوى بين الضلوع

ويطول ــ لو وسع القصيد ــ غناؤنا

وكذا على فم زهرة رجع الربيع

ومن القلب تحية لكم قراءنا الأعزاء.. وتحية لمن مازالوا يقبضون على الجمر.. وكل التحية والحب والولاء لشعبنا ووطننا الغالي.