المناطق المحاصرة بين حق الوصول والحاجة للمساعدات

المناطق المحاصرة بين حق الوصول والحاجة للمساعدات

حسب بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فإن «نصف مليون مواطن تقريباً يعيشون تحت الحصار في مناطق وبلدات عديدة داخل سوررية»، يتقاسم الحصار على هؤلاء كل من قوات النظام والفصائل المسلحة المختلفة، بما فيها داعش الإرهابية.

يان إيغلاند» مستشار المبعوث الخاص لسورية، ستيفان دي ميستورا، قال للصحفيين في جنيف بتاريخ 12/5/2016: «إن الأيام العشرة الأولى من أيار «مخيبة للآمال» في مجال العمل الإنساني في سورية»

الحصار أحد أدوات الحرب

مع الأسف فإن سياسة الحصار المتبعة، سواء من قبل الجهات الرسمية أو من قبل المجموعات المسلحة، على اختلاف تلاوينها وتبعيتها وراياتها، لا تعدو عن كونها أحد أدوات الحرب والصراع القائم، على حساب المدنيين في تلك المناطق، حيث يعيشون في أسوا الظروف الإنسانية، بل وفي بعض المناطق شارفت تلك الظروف أن تكون كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة، على الرغم من المطالبات والدعوات كلها التي تتمحور على ضرورة تحييد المدنيين عن دائرة الصراع والحرب الدائرة، ولكن دون جدوى!.

المحاصرون هم مدنيون من أبناء الوطن

العديد من البلدات تم إدراجها من قبل الأمم المتحدة، كمناطق محاصرة، حيث بلغت 19 منطقة، وفيما يلي أهم تلك المناطق والبلدات، مع بعض القرى والمزارع التابعه لها:

معضمية الشام- التل- داريا- قدسيا- الهامة- الزبداني- مضايا وبقين- جوبر- دوما- حرستا- عربين- زملكا- عين ترما- كفر بطنا- زبدين- جسرين- سقبا- حمورية- مخيم اليرموك- يلدا- ببيلا- بيت سحم- الحجر الأسود- كفريا- الفوعة- حي الوعر- الحولة- تلبيسة- الرستن- أحياء دير الزور «القصور، الجورة، هرابش، البغيلية»- ومؤخراً محافظة الحسكة بمدنها وقراها وبلداتها جميعاً، وبعض مناطق حلب وبلداتها، بالإضافة إلى بعض القرى والبلدات في محافظة درعا، وغيرها العديد من البلدات الأخرى في العديد من المدن والمحافظات السورية

إن المدنيين في هذه المناطق يتعرضون لنتائج وتبعات الحصارات السلبية على كافة المستويات، كما أنهم مواطنون سوريون لا يجب إغفال أو التغاضي عن حقوقهم، كما عن الممارسات غير الإنسانية التي يتعرضون لها، ما يدعونا إلى التأكيد على ضرورة رفع الحصارات عن تلك البلدات والمناطق والقرى، وفسح المجال أمام أبنائها للعودة إلى حياتهم الطبيعية، ودورهم في بناء الوطن والدفاع عنه، وخاصة تلك المناطق والبلدات المحاصرة، والتي أعلن عن عقد اتفاقات هدن تخصها.

قواسم مشتركة

الأهالي جميعهم في تلك المناطق يعانون من تبعات الحصارات الجائرة التي فرضت عليهم، اعتباراً من النقص بالمواد الغذائية والاحتياجات الأساسية الأخرى، وخاصة الأدوية وحليب الأطفال، بالإضافة إلى المعاناة من النقص بالخدمات العامة، بل وانعدامها في العديد من هذه المناطق والبلدات، كما يعانون من تحكم التجار والفاسدين من أطراف الصراع المختلفة، والإتاوات والرشى التي يتكبدها الأهالي لهذا أو ذاك من المتنفذين، على اختلاف تبعياتهم وولاآتهم، استغلالاً لوضعهم وحاجاتهم، كما من ممارسات الإذلال والتهديد والترهيب التي تمارس بحقهم، بالإضافة إلى المعاناة جراء القذائف وتبادل إطلاق النار الذي يكونون فيه هم الضحايا غالباً.

إضافة إلى القاسم المشترك الأعظم بين هؤلاء السوريين جميعهم، المتمثل بالواقع الاقتصادي المعاشي المتردي، والذي يزداد سوءاً يوماً بعد آخر على المحاصرين بشكل خاص، ما أدى إلى أن يضطر الكثيرون من هؤلاء لبيع ممتلكاتهم، بما فيها المنازل والأراضي أحياناً، ما يشير إلى وطأة الظلم والاستغلال الذي يتعرض له هؤلاء.

تباينات وتناقضات

هناك تبايناً جلياً في التعامل بآليات الحصارات المفروضة، حيث في بعض المناطق يسمح بإدخال بعض المواد بين الحين والآخر، فيما تمنع ربطات الخبز عن الدخول إلى مناطق أخرى، كما يسمح بدخول وخروج الطلاب والموظفين في مناطق وتحرم منها غيرها، كما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية من قبل منظمات الأمم المتحدة إلى بعضها، فيما تمنع هذه المساعدات عن مناطق أخرى، كما هناك تناقض في مبررات ومسوغات تشديد الحصارات، أو وقف العمل في الهدن المعلنة هنا وهناك.

الملفت بالأمر أن غالبية المواد التي يسمح بادخالها، على ندرتها وقلتها، إلى بعض المناطق، سرعان ما تصبح بأيدي المستغلين والمتحكمين بهذه المناطق والبلدات، وخاصة المسلحين من هؤلاء، حيث يتم التحكم بها توزيعاً وسعراً من قبل هؤلاء، بعيداً عن أية اعتبارات إنسانية.

التساؤل المشروع على لسان هؤلاء الأهالي هو أنه طالما الحصار مفروض من قبل جهة واحدة؛ فمن المفترض أن تكون آلياته وطرق تطبيقه واحدة، حتى أن بعضهم بات يتهكم بالقول: «حتى الحصار صار فيه خيار وفقوس!».

استمرار مساعي عرقلة الحلول

ذلك كله أدى إلى المزيد من الحنق والغضب لدى الأهالي الذين يرزحون تحت وطأة إجراءات الحصار التي طال أمدها، كما طال انتظار هؤلاء للحلول التي ستخرجهم من محنتهم وكارثتهم الإنسانية المحدقة.

كما بات واضحاً للأهالي أن هناك البعض ممن سعى ويسعى دائماً إلى عرقلة أي مسعى للحلول من الأطراف كافة، كما أن هؤلاء لهم مصلحة بإطالة أمد الحرب والأزمة، بما يحقق مصلحتهم ومصلحة داعميهم من القوى المحلية والإقليمية والدولية، وذلك كله على حسابهم، حيث غالباً ما يتم افتعال مشكلة ما لتغدو مبرراً ومسوغاً لوقف العمل في الهدن المعلنة، أو لتشديد إجراءات الحصار على الأهالي، الذين لا ذنب لهم، كما لا حول لهم أو قوة بمواجهة حملة السلاح بتلاوينهم المختلفة.

قمة دولية أولى للعمل الإنساني

في بيان لمنسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الموجه قبيل قمة العمل الانساني الأولى المزمع عقدها بتاريخ 23-24/5/2016: «هناك الملايين من الفتيات والفتيان والنساء والرجال لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم المقبلة ولا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، سواء للولادة الآمنة أو تلقي العلاج من أمراض مزمنة أو حماية الأطفال من الأمراض التي يمكن الوقاية منها. إنهم غير قادرين على الحصول على مياه نظيفة أو ضمان النظافة الصحية الأساسية. كما أن أولئك الذين نزحوا من منازلهم يفتقرون المأوى الملائم، ويضطرون أحياناً إلى النوم في العراء».

المساعدات ليست بديلاً عن الحل السياسي

كما أشار البيان إلى أن: «هناك الملايين من الأسر التي لا تهنأ بالنوم ليلاً هلعاً لعدم معرفتهم بمكان سقوط القذيفة المقبلة، أو إذا كان أحباؤهم سيعلقون في تبادل لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة أو سيكونون عرضة للإرهاب». مضيفاً: «آلاف الأصوات في المنطقة كانت مطالبهم وأحاسيسهم واضحة: الغضب الشديد من الخسائر البشرية والمعاناة المشهودة والمحسوسة بشكل يومي، وانعدام الثقة النابع من عدم المساءلة للانتهاكات... والاقتناع بأن المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون بديلاً عن العمل السياسي الذي يعالج الأسباب الجذرية للمعاناة».