موسم البطاطا بمهب الريح
مرة جديدة ينشط تجار الاستيراد والفاسدين من أجل ضرب مواسم الإنتاج الزراعي المحلي، ومن أجل التحكم بسعره وآليات تصريفه، على حساب الفلاحين والمزارعين، حيث وصلت إلى الموانئ السورية بواخر محملة بالبطاطا المصرية في وقت بدأ الإنتاج المحلي منها بالحصاد، بعد أن توقف استيرادها خلال أشهر مضت، عندما لم يكن هناك إنتاج محلي من تلك المادة.
في كل مرة ومع كل موسم إنتاج زراعي ينشط هؤلاء، فكما حصل مع موسم الحمضيات سابقاً، من أجل التحكم بأسعار هذا المحصول وتسويقه وخاصة البرتقال، يجري الآن استيراد البطاطا للغاية نفسها، بما يحقق لهم فائضاً كبيراً من الأرباح على حساب المنتجين من الفلاحين والمزارعين، بالإضافة إلى المستهلكين من عموم المواطنين.
المنتفعين يعبثون ويثرون
موسم حصاد البطاطا حالياً في طرطوس، حسب الدورة الزراعية الطبيعية المحلية، ليأتي بعده الإنتاج في كل من حمص وحماة، وأخيراً في درعا، بحيث يتم تلبية احتياجات السوق المحلية من هذه المادة على مدار العام بأسعار مقبولة للمزارعين وفي متناول المستهلكين، وهذا ما يتم العبث به عبر بعض المنتفعين الراغبين بالإثراء على حساب المزارعين والمستهلكين، وعلى حساب الاقتصاد الوطني لاحقاً، حيث ومع كل منافسة لمنتج زراعي محلي تكون النتيجة هجرة المزيد من الأراضي الزراعية أو التحول إلى محاصيل أقل جدوى وفائدة على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي العام، وبالتالي نفقد يوماً بعد آخر بعضاً من المنتجات الزراعية الهامة على مستوى الاستهلاك المحلي وعلى مستوى تصدير الفائض منه، ولننعم لاحقاً بوفرة الاستيراد لحاجاتنا الاستهلاكية الأساسية مع المتحكمين به من تجار وفاسدين، ولمصلحتهم.
خسائر محتمة
المزارعون وبسبب تدني أسعار منتجاتهم بظل المنافسة عبر الاستيراد، وتحكم التجار والسماسرة بآليات العرض والطلب في السوق، سيتكبدون الخسائر حتماً، كما تكبدوها سابقاً مع محصول البرتقال، حيث وبسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي من بذار ومبيدات وأسمدة ووقود ونقل وغيره، تكاد لا تكفي أسعار منتجهم الجديد لتغطي تلك التكاليف، ما سيؤدي عملياً إلى خسائر فادحة، الأمر الذي قد يدفعهم لاحقاً إلى التخلي عن تلك الزراعات.
وقد بلغ سعر كيلو البطاطا 100 ليرة في الأسواق، بعد أن كانت خلال الأشهر الفائتة بحدود 250 ليرة، وهي ما زالت بانخفاض، علماً أن سعر التكلفة للكيلو الواحد على المزارعين يبلغ بحدود 65 ليرة بتاريخ الزراعة، أي أن أي انخفاض لاحق بالسعر سيكبد المزارعين خسائر، كما لن يمكنهم من إعادة الإنتاج في الموسم القادم، بسبب التزايد المطرد بتكاليف الإنتاج، المرتبط بتدني القيمة الشرائية لليرة السورية.
بعض المزارعين باتوا يتخوفون من استمرار مثل هذه الإجراءات بانعكاساتها وتداعياتها على حياتهم ومستقبلهم، حيث قال أحدهم: أنه قد يضطر لبيع أرضه من أجل إيفاء ديونه التي قد لا يستطيع سدادها بحال استمرار انخفاض سعر المادة بالسوق، أو بحال وصول دفعة جديدة من البطاطا المستوردة لتغزو الأسواق المحلية.
والحال كذلك وإذا كانت النية هي توفير هذا المنتج بسعر اقتصادي للمستهلكين، كما يحلو للبعض أن يروج، الأمر الذي نشجعه جميعاً بعيداً عن مضمون وغايات هذا الترويج، فإن ما يجب أن يتم هو التعويض على المزارعين بفارق سعر التكلفة كي لا يتكبدوا أية خسائر، بالإضافة إلى تأمين مستلزمات الإنتاج أيضاً بسعر اقتصادي عليهم، كما يجب أن تقوم مؤسسة الخزن والتسويق باستجرار هذا المنتج من الفلاح بسعر تشجيعي يمكنه من إعادة الإنتاج في الموسم القادم، وإلا فإن الحديث والترويج عن انخفاض الأسعار بنتيجة هذه المضاربة الظالمة فيه ما فيه من خبث وسوء طوية.
لا جديد ولا عفوية في الموضوع
بحسب وسائل الاعلام فقد طالب اتحاد فلاحي طرطوس مؤخراً «بوقف الاستيراد لمادة البطاطا اعتباراً من مطلع الشهر الثالث من كل عام»، بما يتناسب والدورة الزراعية المذكورة سابقاً، واستناداً إلى المعاناة التي بدأ المزارعين يعبرون عنها جراء دخول البطاطا المستوردة إلى الأسواق، والمنافسة السعرية، المتعمدة والجائرة، من أجل الإضرار بالمنتج المحلي الذي بدأت عمليات حصاده، علماً أن موسم إنتاج البطاطا لهذا العام حسب التصريحات الرسمية يعتبر جيداً ومبشراً، ومع ذلك هناك من ضرب عرض الحائط بمصلحة المزارع والمستهلك عبر السماح باستيراد هذه المادة في هذا الوقت بالذات.
المشكلة ليست جديدة، كما أنها ليست عفوية وبسيطة، فمع تكرار واستمرار هذا النهج الاقتصادي، فقد بات واضحاً أن بعض المستفيدين من حيتان المال والفساد، وفي المسعى المطرد لجني المزيد من الأرباح على حساب الوطن والمواطن، فانهم بآن يعملون على ضرب مقومات الصمود الوطني عبر تكريس التبعية الاقتصادية على مستوى استهلاك الحاجات الأساسية للمواطن عبر الاستيراد، الذي سيضع الوطن لاحقاً وبشكل كامل تحت رحمة الاحتكارات الدولية ووصاية السماسرة والتجار والمستوردين والفاسدين من حيتان المال داخلاً وخارجاً.
فإلى متى سيستمر ذلك؟