مدينة أبي الفداء تواقة لانتهاء الأزمة
كما غيرها من المدن الرئيسية السورية، تعاني مدينة حماة من التدني بمستوى الخدمات العامة، وقد تزايدت تلك المعاناة مع تزايد أعداد الوافدين إليها نزوحاً وتشرداً، مما أدى لمزيد من التراجع على مستوى هذه الخدمات، كما يعاني أهلها من التداعيات الأمنية للعمليات العسكرية الجارية بريفها الكبير.
على الرغم من الوعود الكثيرة بشأن تحسين الخدمات العامة، وخاصة ساعات التقنين للتيار الكهربائي، وعلى الرغم من أعمال الصيانة المعلن عنها للشبكة ومحطات التحويل، إلا أن واقع الكهرباء بالمدينة من سيئ لأسوأ، حيث بات الأهالي يتهكمون على هذا الواقع الكهربائي بالقول «عم يشحدونا الكهربا شحادة.. بلاها أحسن»، «نسينا الكهربا، أصلاً ما في داعي إلها.. حماة منورة بأهلها».
عتمة تحيل المدينة
إلى مدينة أشباح
الكهرباء في بعض الأحياء تأتي لمدة نصف ساعة متواصلة فقط، مما يمنع ممارسة أي نشاط منزلي مقترن بالكهرباء، ناهيك عن الانعكاس السلبي لذلك على مستوى الحياة اليومية والأنشطة التجارية والصناعية وغيرها، وخاصة مساءً، حيث تبدو المدينة وكأنها مدينة أشباح، عتمة وسكون مخيفان، بسبب إغلاق المحال التجارية كافة، بالإضافة إلى عدم وجود إنارة ليلية للشوارع، رغم الإعلان عن تركيب خلايا شمسية لبعض تلك الأعمدة في بعض الأحياء، إلا أنها لم تستكمل حتى الأن، بالاضافة إلى توقف حركة النقل الداخلي عند ساعات المساء، مما يحيل واقع المدينة قريباً لما يشبه من حظر التجول، الذي يمتنع فيه الأهالي عن الخروج من منازلهم طوعاً، بسبب الظلمة وانعدام النشاط التجاري والصناعي والخدمي.
قمامة منتشرة وتخوف من الأمراض
كما ويقترن انقطاع المياه بانقطاع الكهرباء، ومع النقص بالوقود اللازم لتشغيل المضخات، تصبح معاناة النقص بالمياه جدية في بعض أحياء المدينة، مع كل ما يترتب على ذلك على مستوى الحياة اليومية، وخاصة على مستوى النظافة وغيرها، كما ويعاني الأهالي أيضاً من مكبات القمامة المنتشرة بالأحياء وخاصة قرب المدارس ومراكز الإيواء، والتي تشير إلى تراجع كبير على مستوى أداء البلديات، والأهالي متخوفين من الانعكاسات السلبية لتلك المكبات على المستوى الصحي وخاصة للأطفال، مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع الحرارة التي ستزيد من امكانية انتشار الأمراض والأوبئة.
الكثير من الطرقات والشوارع الداخلية في المدينة مهملة وباتت بحاجة لاعادة تأهيل وتعبيد، حيث الحفر التي تتجمع فيها المياه شتاءً، تغدو مع اقتراب موسم الصيف برك آسنة قد تنقل الأمراض، وخاصة تلك القريبة من المدارس وعلى تماس مباشر مع الأطفال في بعض الأحياء.
واقع معاشي ينذر بالجوع
الواقع المعاشي من الصعوبة بمكان، حيث بالإضافة إلى الواقع العام من عدم تناسب المداخيل والأسعار، والغلاء الفاحش الناجم عن تحكم شريحة المستفيدين من كبار التجار والسماسرة والمحتكرين وتجار الأزمة الجدد، فإن جزءاً هاماً من أهالي المدينة كان يعتمد على النشاط المتبادل مع ريف المدينة الكبير، تجارة وصناعة وعمالة، ومع واقع تراجع الإنتاج الزراعي والحيواني بهذا الريف نتيجة الحرب والأزمة، تراجعت الصناعات الصغيرة والكبيرة الملحقة، مع ما يرافقها من أنشطة أخرى، حيث باتت الكثير من الأسر التي كانت تعتمد على هذه الأنشطة دون مصدر رزق أساسي، ناهيك عن مبررات رفع الأسعار للمواد المعيشية الأساسية والحياتية اليومية، من أجور شحن مرتفعة مقترنة بالوضع الأمني وتداعياته، وارتفاع أسعار الوقود وقطع التبديل للآليات، بالإضافة إلى تزايد أعداد الحواجز وتنوعها داخلاً وخارجاً، مع ما يرافقها من عمليات ابتزاز أحياناً، وغيرها العديد من المبررات والمسوغات، التي أصبح عبرها المواطن عاجزاً عن تأمين مستلزمات معيشتة اليومية، وأصبح بالتالي شبح الجوع مخيماً.
الإيجارات مصدر
تكسب بعيدٍ عن الرقابة
ومع ازدياد أعداد الوافدين إلى المدينة، نزوحاً من العديد من المناطق والبلدات والمدن القريبة والبعيدة، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والعسكرية فيها، ارتفعت معدلات بدلات الإيجار بشكل كبير، مما انعكس سلباً ليس على هؤلاء فقط، بل على المحتاجين للسكن كافة عبر الإيجار من أهالي المدينة، وقد باتت التجارة بالعقارات السكنية والرفع المتتالي للإيجارات، مصدر تكسب لشريحة تتحكم بسوق الإيجارات في المدينة، مع ملحقات هذه الشريحة، اعتباراً من المالكين مروراً بالسماسرة والمكاتب العقارية، وليس انتهاءً بالبلديات والجهات الرسمية الأخرى الواجب مراجعتها عند إبرام عقد جديد أو تجديد لعقد سابق، استغلالاً لوضع هؤلاء، بعيداً عن أية ضوابط أو آلية رقابة، على الرغم من العديد من الشكاوى بهذا الشأن.
السوق السوداء
للمحروقات هي السائدة
نقص الوقود من بنزين ومازوت هو سمة عامة في المدينة، فعلى الرغم من وضع آلية لتوزيع البنزين تعتمد على أرقام لوحات السيارات (مفردة أو زوجية)، إلا أن الواقع لا يشير إلى حسن تنفيذ ذلك، فما زالت المادة شحيحة بالسوق الرسمي، والسوق السوداء هي السائدة، حيث وصل سعر ليتر البنزين فيه إلى 300 ليرة، والطوابير الطويلة على الكازيات هي السمة الأساسية، مع الكثير من الاستثناءات، التي يشرف عليها ويستفيد منها أصحاب الكازيات والمتنفذون فيها، مع غض النظر من قبل الجهات الرقابية على الكثير من تلك الممارسات والمخالفات.
تخوف من تداعيات
الآفات الاجتماعية
واقع الفقر والبطالة، وانعدام الحركة مساءً، مع تداعيات الواقع الأمني السلبية في الريف القريب والبعيد، وغيرها، كان مناخاً مناسباً لترويج الكثير من النشاطات غير المشروعة، بالإضافة إلى بروز العديد من الآفات الاجتماعية الخطيرة المقترنة بهذا المناخ، اعتباراً من حالات القتل والخطف، مروراً بشبكات التسول، وليس انتهاءً بشبكات الدعارة، مما يتخوف منها ومن تداعياتها، الآنية والمستقلبية، الأهالي والقاطنين في المدينة جميعهم من الوافدين إليها نزوحاً.
شكوى من الاهمال الرسمي
أهالي مدينة حماة، التوّاقين إلى انفراج الأزمة وانتهاء الحرب ومفاعيلها، يشكون الإهمال وعدم الاهتمام الحكومي، بمعناتاتهم وواقعهم ومتطلباتهم، بالشكل المطلوب واللازم، وخاصة بظل الحرب والأزمة، بل قال أحدهم بأن بعض الجهات الحكومية تضرب عرض الحائط بمستقبل المدينة، والتخبط بالخطط الموضوعة لها، مستشهداً بما صدر مؤخراً عن مجلس التعليم العالي بتاريخ 3/4/2016 بموجب قرارٍ قضى بإيقاف القبول بقسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة حماة، بدءاً من العام الدراسي القادم، مؤكداً بأن مثل هذه القرارات يجب أن تدرس من خلال واقع متطلبات سوق العمل المستقبلية والحاجة للتخصصات اللازمة فيه، وليس بناءً على واقع آني مقترن بمستلزمات العملية التعليمية اللحظية، سواءً كان المبرر نقصاً بالكادر التدريسي أو غيرها، وقس على ذلك من قرارات وتوجيهات تخص المدينة وأهلها ومستقبلها، كما أشار إلى العديد من الاجتماعات الرسمية التي تم خلالها عرض الكثير من هموم ومعاناة المدينة وأهلها بشرائحهم المختلفة، ولكن جدواها الفعلية كانت دون المستوى المطلوب على أرض الواقع حتى الآن.
هذا حال مدينة أبي الفداء، وهذا جزء من معاناة أهلها ووافديها المنسيين.