المنتخب الوطني في بورصة العرض والطلب

المنتخب الوطني في بورصة العرض والطلب

الرياضة تعتبر من القطاعات ذات الطابع الترفيهي والخدمي، والتي لها تأثير مباشر على مستوى بناء وتأهيل الفرد والمجتمع، وهي تشكل لفئات واسعة من السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، مجالاً لعمل البعض، ومتنفساً للأكثرية منهم، كما أنها مصدر تكسب غير مشروع للبعض الآخر.

مراسل قاسيون

سنتحدث هنا عن الحدث الأبرز مؤخراً وهو: تأهل منتخب سورية للرجال لنهائيات كأس آسيا التي ستقام في دولة الإمارات بعام 2019, وكذلك الدور الحاسم المؤهل لكأس العالم التي سيقام في  روسيا بعام 2018، حيث أصابت الدهشة الكثيرين واعتبروا ذلك انجازاً، وهو كذلك، ولكن أهل اللعبة تحدثوا بلغة المنتصر الواثق من هذا التأهل، الذي لطالما انتظروه، وجدّوا من أجله.

فرح وغضب أم شكوك

فرح هذا التأهل تم تعكيره عبر الخسارة المذلة أمام منتخب اليابان، في الجولة الختامية للتصفيات، حيث فجرت مرارة الهزيمة مشاعر الغضب لأهل اللعبة على الاتحاد الكروي، معتبرين أن الاتحاد قد حاول عرقلة تأهل الفريق بقرار غير مسؤول، جاء عبر استبعاد 4 ركائز من تشكيلة المنتخب، قبل لقاء مصيري، ولأسباب اعتبرت انضباطية، بقرار من المدرب، فاكتفى الاتحاد بالصمت، منوهاً أن المدرب من يتحمل مسؤولية القرار، وعند انتهاء التصفيات يتم تقييم العمل!.

ما جرى حفز ذاكرة أهل اللعبة، الحية بانتكاسات وخيبات سببتها قرارات الاتحاد الكروي, على سبيل التذكير لا يعلم الغالبية أن سبب إخفاق المنتخب في عدم إتمام مشوار التأهل لمونديال جنوب أفريقيا عام 2010، كان جهل الاتحاد الكروي نظام التأهل, كما ولا يعلم الغالبية أن عدم إتمام أوراق ثبوتية للاعب سوري محترف من قبل الاتحاد الكروي، كان مبرراً لقرار الاتحاد الدولي لكرة القدم بمنع منتخب سورية خوض تصفيات مونديال البرازيل بعام 2014.

تابع السوريون اليوم الأخير من تصفيات مباريات الفرق الأخرى، فالخسارة أدخلتنا في حسابات التأهل، ولحسن الحظ حضر التوفيق، فترافقت خسارة المنتخب الوطني مع خسارة منتخبات أخرى، فجاء التأهل مرتبطاً بها.

ألقت الجماهير جام غضبها على الاتحاد الكروي، ممثلاً برئيسه ونائبه، كما على الاتحاد الرياضي العام ممثلاُ برئيسه وبمن وضعه في تلك المسؤولية، ومنهم من اعتبر ما جرى مؤامرة تحاك على المنتخب كي لا يتأهل.

فيلم بإخراج سيئ

فاذا كان رئيس الاتحاد وأعضاؤه يأتون تعييناً تحت يافطة الانتخابات بذريعة أنهم الأفضل من وجهة نظر من رشحهم، وإن كان خبراء اللعبة وخيرة كوادرها بعيدون عن العمل في هذه المؤسسة، لحسابات البعض من المنتفعين من داخل وخارج الملاك، ولا يدرب المنتخب إلا من يقبل إطاعة الأوامر، فالنتيجة حتماً هي أن المسؤولية تقع على عاتق الاتحاد الكروي الذي يعين المدرب الذي يريد، وعلى الجهة التي عينت أعضاء الاتحاد ورئيسه.

وفي محاولة لامتصاص غضب جماهير اللعبة وكوادرها والتلاعب بعواطفهم، ابتدع القائمون على المنتخب فيلماً بإخراج سيئ، عبر الإعلان عن تقديم عرض لمدرب عالمي لتدريب المنتخب، كتب سيناريو هذا الفيلم أمين سر الاتحاد، وقام بإخراجه كل من رئيس الاتحاد ونائبه.

حيث تحدثت وكالات الأخبار العربية والعالمية عن إرسال عرض مقدم من الإتحاد السوري للمدرب العالمي مورينيو، فتفاعلت مع هذا الخبر صفحات دعم المنتخب، وأظهرت صورة رسمية للعرض المقدم.

خبر لم يصدقه الكثيرون، ليظهر رئيس الاتحاد على شاشة التلفزيون السوري يؤكد صحته، ويعلن جاهزيتهم دفع الراتب الكبير للمدرب الكبير، وذلك لتحقيق حلم السوريين بالتأهل للمونديال!، كما ويعلن أن المدرب العالمي أبدى موافقة مبدئية على ذلك عبر وكيل أعماله!.

يمر يومان ليظهر بيان الإتحاد الرياضي العام نافياً عرض مورينيو، ومعلناً بأنهم سيوفروا للمنتخب خطة إعداد مثالية ضمن الإمكانات المتاحة، ليأتي الرد الأخير من المدرب العالمي ذاته فيما بعد، بأن تدريب منتخب سورية لا يتناسب مع ملفه التدريبي.

مساعي لإغلاق الملف

وفي محاولة لإغلاق الملف تم عقد مؤتمر صحفي لمدرب المنتخب ونائب رئيس الاتحاد، مختصره المفيد أمران حسب ما أشارت بعض وسائل الإعلام:

1 – من جهة المدرب «المطيع»: الالتزام والانضباط هو سبب استبعاد اللاعبين!.

ليستغرب ذلك التبرير قائد المنتخب «سنحاريب ملكي»، وهو المبعد الأبرز عن لقاء اليابان، بتساؤل مشروع عن أي إلتزام وانضباط يتحدث المدرب؟!، ونحن من لا نملك برنامجاً يحدد أوقات حصص تدريبية عكس فرق الأرض كلها!.

2 - نائب رئيس الاتحاد قال: سنقيّم عمل المدرب، وسنتواصل مع مدربين عرب وأجانب، ونوفر ما يلزم لتحقيق المراد، وما حققه المنتخب يعتبر انجازاً.

تسريبات ما بعد المؤتمر أوضحت، من مصادر مقربة، أن تكليف أحد المدربين الذين يتم التواصل معهم سيكلف الإتحاد مبلغاً لا يقل عن 500 ألف دولار!، فهل الإمكانيات تسمح؟ والحكومة السورية كما نعلم ونرى لا توفر فرصة لإفقار السوريين عبر سياستها المالية.

ولينتهي أخيراً عرض الفيلم عبر اتصال لرئيس الاتحاد الرياضي العام، معتذراً لقائد المنتخب.

رسائل رأس المال المبطنة

انتهى الفيلم، فما الرسائل التي وجهت للجماهير الغاضبة؟ وما القصد منها؟

أولاً: في حالة موافقة مورينيو التدريب كما أكد رئيس الاتحاد، أيسمح للحكومة دفع الراتب الخيالي له، وهي المسؤولة عن الاتحاد الكروي بالنهاية؟ 

وفي حال أن رجال أعمال من سيتكفلوا بذلك، كما أشيع، هل سيكون اتحاد الكرة مجالاً لتحويل الهواة واللاعبين والمدربين إلى سلع بغرض الاستثمار في بورصة رأس المال، ويتم حرف الرياضة عن هدفها كحاجة روحية، إلى فرصة لإلهاء الجماهير، وحصد الأموال، وخاصة أن الفترة المقبلة التي نتحدث عنها في الداخل السوري هي ما أطلق عليها مرحلة إعادة الاعمار، أي أن الرياضة ستكون بالتالي أحد منافذ تبييض الأموال للبعض، كما ستكون أحد الأدوات المناسبة بيد رأس المال لإلهاء عموم الفقراء من جماهير المنتخب، المهمل منذ عقود، عن واقع المرحلة، وما يخطط لها من سبل للنهب.

ثانياً: في حالة عدم الموافقة من الإتحاد الرياضي العام، كما مورينيو، فما الغاية من الفيلم؟

امتص القائمون في الإتحاد الكروي غضب الجماهير، وكذلك وضعوا الشارع الكروي بمواجهة مع الإتحاد الرياضي، العام ممثلاً لسلطة الدولة، بأنه المسؤول عن إفشال العقد!.

وليعلن البعض، جهراً أو خفية، أن الحل يجب أن يكون عبر استقلال الاتحاد الكروي عن سلطة الدولة، وتحويله إلى ما يشبه الشركة التجارية!.

وهي فرصة أخرى مناسبة لانتفاع البعض، تصب بالمحتوى والنتائج سابقة الذكر نفسها.

الأزمة والتمويل ليست سبباً

إن مشكلة الرياضة ليست وليدة الأزمة، أو قلة المال والتمويل، حيث نعلم كما يعلم الجميع، أن الاتحاد الرياضي يتلقى إعانات مالية وتجهيزات رياضية من الاتحادات الدولية، كما أن له مخصصات سنوية من الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى عائدات الاستثمارات الخاصة بمنشآته العديدة، من فنادق وغيرها، كما أن تسويق لقاءات المنتخب في المرحلة المقبلة سيحقق مبالغ كبيرة إضافية لصالح خزينة الاتحاد، ومن الممكن زيادة فرص الاستثمار بعملية التسويق تلك عن طريق حسن إدارتها، من خلال العروض المقدمة لهذه الغاية.

طاقات وكوادر غير مستثمرة

كما أن الإمكانات والطاقات البشرية متوفرة، وخاصة ناحية المواهب الواعدة والمتميزة، والتي لو أتيح لها المجال وتم صقلها وحسن استثمارها، فإن الحلم والطموح باستنهاض هذه الإمكانات، يمكن أن يصبح حقيقة، يعتز بها السوريون من ممارسي ألعاب ومحترفين وهواة ومدربين وجمهور على حد سواء، وبحيث يمكن للرياضة السورية أن يكون غدها أفضل على المستوى المحلي والعربي والإقليمي والدولي.

بعض المقترحات

أخيراً هل مشكلة الرياضة والمنتخب عصية عن الحل، بعيداً عن الحلول الرأسمالية وتبييض الأموال؟، أليس من الممكن تجنب تجميد الرياضة، عبر الاتحاد الدولي، بذريعة التدخل الحكومي بعمل الاتحاد، وهو ما يروج له؟

نرى أنه من الممكن ذلك عبر إلغاء قرارات الإبعاد، الرسمية وغير الرسمية، الصادرة بحق بعض المدربين وكوادر اللعبة المحليين، والذين يشهد لهم تاريخهم وجماهير اللعبة بخبراتهم وبإمكاناتهم ونزاهتهم، لاستثمار إمكانات وخبرات هؤلاء بمجال التدريب والإدارة والتنسيق، مع منح هؤلاء الصلاحيات الكاملة والمناسبة، والأجر المجزي، كما يمكن أيضاً عبر منح الكادر التدريبي الصلاحيات الكفيلة بتسوية أوضاع بعض اللاعبين المحترفين والمميزين المقيمين بالخارج، لأسباب متعددة، علماً بأن غالبية هؤلاء أعلنوا عن رغبتهم بذلك، منتظرين دعوة الاتحاد لهم للعودة إلى صفوف منتخبهم، مع تغيير بعض آليات العمل في الاتحاد، التي كانت معيقة أمام تطوير اللعبة حتى الآن، وخاصة آليات وطرق اختيار كادره التنفيذي، مع وضع خطة عمل جدية واحترافية قادرة على قيادة المنتخب لوصوله إلى قمم اللعبة على المستوى العالمي.

إن ذلك يحافظ على المنتخب ويطور من إمكاناته، كما يوفر الكثير من الأموال، ويبعد شبح الاتجار باللعبة وكادرها ومستقبلها، في بورصة العرض والطلب الرأسمالي المحلي والدولي.