تفاؤل على إيقاع الهدن
لم يعد خافياً على أحد جدية المساعي الروسية، الحثيثة والصادقة، من أجل إخراج سورية من دائرة الصراع، وذلك تماشياً مع مصلحة السوريين التي تقتضي أن يتم وضع حد للحرب المدمرة المستمرة منذ خمسة أعوام، والمضي قدماً باتجاه إنجاح مساعي الحل السياسي الشامل.
وبالمقابل ما زلنا نرى ونلمس عدم الجدية، كما المساعي المحمومة، من أجل تعطيل مسيرة الحل السياسي، من قبل الأطراف المتورطة بشكل مباشر بتلك الحرب، محلياً وإقليمياً ودولياً، عبر أدواتها وأذرعها العديدة، وخاصة الإرهابية منها.
مركز روسي متعدد المهام
ولعل نجاح وقف العمليات القتالية المعلنة منذ أواخر شباط 2016، وحتى الآن، يعتبر من المؤشرات الهامة على مستوى إيجابية الدور الروسي الميداني في ضبط إيقاع مسيرة الهدن، كما إيجابية هذا الدور على مستوى الدفع باتجاه استكمال مسيرة الحل السياسي الشامل المنشود.
حيث تم إنشاء مركز روسي لمراقبة تنفيذ وقف العمليات القتالية في قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية، والذي بدوره شرع وما زال في مساعي اجتذاب قوى جديدة للانخراط في تلك العملية، سياسية وعسكرية مسلحة، بالإضافة إلى تطوير دور هذا المركز مع الأهالي مباشرة في العديد من البلدات والمناطق، مع الدور الفاعل على مستوى فك الحصارات، بالإضافة إلى دوره في تسيير قوافل المساعدات الإنسانية للمواطنين.
نشاط ميداني وانجازات
وفي آخر البيانات الصادرة عن المركز الروسي بتاريخ 4/4/2016، فإن عدد البلدات التي انضمت إلى اتفاق وقف العلميات القتالية بلغ 57 بلدة، كما أن عدد الفصائل التي أعلنت عن الالتزام بشروط وقف الأعمال القتالية وصل إلى 45 فصيلاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الاتفاق لا يشمل الفصائل الموسومة بالإرهاب كالنصرة وداعش وغيرها.
وحسب ما أفادت به بعض وسائل الإعلام، فإن ضباطاً روسياً من المركز المقام في قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية، بعضهم ذوو رتب عسكرية رفيعة، يتولون بعض ملفات الهدن في كل من ريف دمشق وريف اللاذقية وحمص وحماة ودرعا، بالإضافة إلى محافظة حلب، وغيرها.
كما أن بعض هؤلاء الضباط يقومون بزيارات ميدانية إلى هذه المناطق والبلدات، بمرافقة قوافل من المساعدات الإنسانية إليها، وذلك من أجل المضي قدماً باتجاه إنجاح وقف العمليات القتالية وتوسيعها لتشمل أكبر رقعة جغرافية ممكنة، وخاصة في تلك المناطق ذات الكثافة السكانية، والتي يعاني فيها المدنيون من وطأة الحرب وشظف العيش والحاجة.
حيث سبق أن تمت زيارة إلى منطقة حرستا في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وقد رافق الروس مساعدات إنسانية إليها، كانت الأولى منذ عام 2014، وقد تم التوصل إلى عدة توافقات، كان أحدها فتح الطريق الواصل من دمشق إلى ضاحية حرستا، على الاوستراد الدولي.
كما تم تعزيز المصالحة في بلدة يلدا في ريف دمشق الجنوبي، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إلى بلدة قرفا في محافظة درعا، وهي مقدمة من الحكومة الروسية، خلال الأيام المنصرمة، وغيرها الكثير من النشاطات الأخرى، التي شملت بعض البلدات في ريفي حمص وحماة واللاذقية، بالإضافة إلى التوصل لتوافقات مع أحد القادة الميدانيين للمسلحين في محافظة حلب مؤخراً.
الهدن مستمرة بضمانة الروس
المساعي الروسية على الأرض بمجال والهدن والمساعدات، كان لها الدور الأبرز في توسيع رقعة وقف العمليات القتالية واستمرارها، كما في زيادة عدد الفصائل الملتزمة بها، حيث كانت هي الضامن في حسن التنفيذ، كما كانت هي الوسيط في المفاوضات المباشرة مع المسلحين في العديد من المناطق والبلدات.
كما أشارت وسائل إعلام عديدة، على لسان المسلحين في تلك المناطق والبلدات، كما على لسان الأهالي، إلى أنه لولا الدور الروسي، المباشر والميداني، ما كان للكثير من تلك المصالحات والهدن أن تتم، كما ما كان لاتفاق وقف العمليات القتالية أن يستمر وينجح.
المساعدات تمهد للحل
ولقد كان التركيز الأساسي من الجانب الروسي، عبر مركز المراقبة والتنسيق والمتابعة في قاعدة حميميم، في المفاوضات التي يجريها ويتابعها كلها، على تقديم المساعدات الإنسانية للأهالي المدنيين، تمهيداً لإنهاء الوضع الكارثي عبر المضي في مسيرة الحل السياسي الشامل وفقاً للقرارات الدولية.
حيث عمل المركز على بحث مسائل تقديم المساعدات الإنسانية لسكان محافظة حمص مع تواصل العمل على تشكيل قوافل مساعدات لسكان مدينة حلب، بالإضافة إلى ثلاثة مراكز سكنية في محافظة حماة، كما قامت طائرات الشحن الروسية سابقاً وحالياً بإنزال مساعدات إنسانية إلى الأهالي في مدينة دير الزور المحاصرة من قبل داعش الإرهابية عبر الجو ولعدة مرات.
تملص أمريكي
في سياق متصل كان الروس قد طلبوا من أمريكا أن يتم التنسيق فيما بينهما من أجل مراقبة وقف العمليات القتالية، مانحي الأمريكي فترة محددة من أجل إعلان التزامه بذلك، ولكن الطرف الأمريكي ما زال يرفض التنسيق حتى الآن، وذلك في مسعى منه للتملص من استحقاق الرقابة وما يمكن أن يفرزه من تداعيات على حلفائها الداعمين للإرهاب.
ميدانياً ما زالت المجموعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش والنصرة وغيرها، تمارس إرهابها المباشر على المدنيين، كما ما زالت تمارس اعتداءاتها، وخاصة من تلك الجيوب المتواجدة فيها ضمن البلدات، مستغلة احتمائها بالمدنيين من أجل عدم الرد عليها، بظل قرار وقف العمليات القتالية، وبتغطية سياسية مباشرة من داعميها المحليين والإقليميين والدوليين.
الروسي ملتزم رغم الخروقات
وعلى الرغم من تسجيل مركز المراقبة الروسي في حميميم لعدد من الخروقات في تنفيذ وقف العمليات القتالية، هنا وهناك، إلا أن القوة الجوية الروسية لم تنفذ أية غارات ضد مواقع الفصائل المسلحة التي أعلنت عن التزامها بوقف تلك الأعمال، وذلك حسب ما أفادت به وزارة الدفاع الروسية.
وبالمقابل ما زالت الدول الراعية للمجموعات الإرهابية، والمتحكمة فيها، تسعى جاهدة من أجل اجهاض اتفاقات وقف العمليات القتالية، بالإضافة إلى دورها الذي بات واضحاً من أجل وقف مسيرة الحل السياسي، عبر أدواتها وأذرعها السياسية والعسكرية.
تضليل وتيئيس بأدوات إعلامية
لا بد من الإشارة إلى الدور الإعلامي للقوى الساعية إلى إجهاض الهدنة وإيقاف عجلة الحل السياسي، على اختلافها وتنوعها وتعدادها الهائل وتمويلها الكبير، حيث سخرت تلك القوى ماكينتها الإعلامية من أجل إحباط وتيئيس الجمهور العام، وخاصة السوريين، عبر التضليل وخلط الأوراق وزعزعة الثقة بالحل السياسي، بالإضافة إلى المساعي المحمومة من أجل تشويه الدور الروسي في مجمل خارطة عمله على المستويات كافة المحلية السورية، السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما على المستويات الإقليمية والدولية بتنوعها وتشعبها، حيث يظن هؤلاء أنه، من خلال هذا التشويه المتعمد، يمكن إطالة أمد الحرب والأزمة في سورية، كما يتوهمون أنهم يمكن أن يخلّوا بالتوازن الدولي الجديد الناشئ على أنقاض التوازن السابق الذي كانت تتزعمه أمريكا.
تقدير وتفاؤل
أخيراً يشار إلى أن الأهالي في المناطق التي شملتها اتفاقات وقف الأعمال القتالية كلها، وإيصال المساعدات إليها، قد بدأوا يعودون إلى حياتهم الطبيعية، كما عبر غالبية السوريين، على طول الخارطة الجغرافية السورية، وفي المغتربات وبلدان اللجوء، عن ارتياحهم وتقديرهم للدور والموقف الروسي الكبير والحاسم، على كافة المستويات، وهو ما عهدوه من هذا الدور عبر حقب زمنية سابقة، مبدين تفاؤلهم باستمرار فاعلية هذا الدور حتى التوصل للحل السياسي الشامل المنشود، الذي سيخرجهم من محنتهم وكارثتهم.