المدينة العمالية  تشجيع للعودة أم «تطفيش»
سمير حسن سمير حسن

المدينة العمالية تشجيع للعودة أم «تطفيش»

لاعتبارات معاشية يومية واقتصادية شهرية، لم يتمكن «أبو محمد» من تسديد الأقساط المترتبة على منزله بالمدينة العمالية بعدرا، وذلك منذ خروجه منها بعد دخول المسلحين إليها، أي منذ ما يقرب العامين ونيف، وقد استتبع ذلك منعه من دخول المدينة للاطمئنان على منزله هناك، من قبل الجهات المسؤولة عن المدينة، كما هناك الكثيرون من أهالي المدينة الذين منعوا من دخول المدينة للسبب ذاته.

 

 

على الرغم من التصريحات كلها حول التشجيع للعودة إلى المدينة من أجل استعادة حياتها ونشاطها، إلا أن الممارسات والضوابط والعراقيل التي توضع أمام الأهالي، والمعيقات والصعوبات التي تواجههم كبيرة وكثيرة، حسب «أبو خالد»، وهو من المقيمين بالمدينة العمالية بعدرا، حيث لم يقف الموضوع عند حدود تسديد الأقساط، بل تم إصدار بطاقة مقيم، وكل من لم يسدد فاتورة الكهرباء من الأهالي، تمنع عنه هذه البطاقة، وبالتالي يعتبر وكأنه من الضيوف إلى المدينة، وعلى ذلك يتم احتجاز بطاقته الشخصية لحين الخروج منها، كما أن هذه البطاقة لا تمنح إلا بعد أن يثبت الشخص أنه سكن في المدينة، أي أن تتالى عمليات الدخول والخروج من المدينة لعدة مرات خلال الأسبوع، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد ناظم محدد للحصول على تلك البطاقة، فقد يمنح الزوج البطاقة وتمنع عن زوجته أو أبنائه، وهكذا.

تحقيقات واستفسارات

المهم في الأمر بالنسبة لـ «أبو محمد» أنه استطاع تسديد ما ترتب بذمته من أقساط، وتشجع وقرر وزوجته الذهاب إلى المدينة للاطمئنان على منزله. وهناك على المدخل الرئيسي للمدينة تمت مشاهدة دفتر الإسكان الخاص بمنزله، وتم التأكد من تسديده للأقساط المترتبة، كما تم احتجاز البطاقات الشخصية له ولزوجته عند مدخل المدينة، وتم الاستفسار عن تسديده لفواتير الكهرباء، وصرح بأنه لم يسددها بعد، وسوف يقوم بالتسديد حال توفر الإمكانية لديه، وسمح له ولزوجته بالدخول إلى المدينة ومنزله، بعد العديد من الأسئلة والإجابات، أخيراً. 

يقول «ابو محمد» بأنه شعر وكأنه يراجع أحد الأفرع الأمنية، لكثرة الاستفسارات، وللنظرات المشككة، وللأسلوب الجاف بالتعامل، بما يترك شعوراً وكأنك مدان أو متهم، بشكل مسبق، كما أن التحرك داخل المدينة دون بطاقة شخصية يجعلك تشعر وكأنك في سجن مفتوح داخلاً، فتمتنع طوعاً عن حرية الحركة في المدينة، وخاصة عند ساعات المساء، وفي الليل بشكل خاص، مستفيضاً بأنه سارع الزمن للاطمئنان على منزله وإعادة تنظيفه وترتيبه وإغلاقه، بما تيسر له من إمكانات خلال ثلاثة أيام، ليخرج من المدينة ويستعيد البطاقات الشخصية له ولزوجته، ويسجل خروجه الرسمي منها، معرباً عن تحفظه عن أن يأتي بأبنائه إلى المدينة بظل هذا الواقع، الذي يحفز على «التطفيش» وليس على الإقامة والاستقرار.

مسروقات في العراء

يقول «أبو خالد» عند مدخل المدينة يلفت النظر مشهد البرادات والغسالات الموضوعة بالعراء على الرصيف عند مدخلها، وعند استفساره عنها قيل بأنها محجوزات، تمت مصادرتها ممن كان يسعى لإخراجها من المدينة، حيث يشك بأنها مسروقة، وتركت هنا بالعراء ليشاهدها الداخلون والخارجون كلهم، فقد يظهر صاحبها ليستردها، ولكن حالها في العراء مزري، وقد باتت غير قابلة للاستعمال عملياً، جراء العوامل الجوية، حسب قوله. 

كما أن من تم الشك به بممارسة هذه الأعمال تم طرده من المدينة نهائياً، ليكون عبرة لغيره, حسب ما أفاد به بعض الأهالي هناك.

المدينة حزينة رغم توفر الخدمات

«أبو علي»، زائر للمدينة للاطمئنان على حال منزله أيضاً، يقول: المشاهد الأولية للمدينة تظهر اختلافاً عما كانت عليه ساعة عودته إليها عند استعادتها من المسلحين، حيث أزيلت سواتر الأتربة والأوساخ من الشوارع والحارات، وتم افتتاح عدد من المحال التجارية للمواد الأساسية، كما تم افتتاح الفرن والمؤسسة الاستهلاكية في المدينة، كما يتم توزيع الغاز بشكل دوري. ولكنك بالمقابل تشعر وكأنك غير مرحب بك عند مدخل المدينة من كثرة الاستفسارات والأسئلة، ومن كثرة الحواجز والتفتيش، ومنع الأهالي من أن يخرجوا بعض مستلزماتهم من المدينة.

«أبو محمود»، من سكان المدينة، قال: الكهرباء والماء جيدة بالمقاييس العامة وفق ساعات التقنين، كما تم افتتاح بعض المدارس، بما يتناسب وعدد المقيمين، والبلدية تقوم بترحيل القمامة بشكل دوري، وتمارس عملها بالمدينة بشكل لا بأس به، ولكن ما زالت بعض أبنية المدينة بحاجة للكثير من عمليات الترميم والصيانة.

حسب أقوال الأهالي السابقة فإن معظم المتطلبات الأساسية المعاشية والخدمية باتت متوفرة. ولكن «أبو محمد» يقول: ما زالت المدينة بمظهرها العام تبدو حزينة وخاوية، لقلة عدد المقيمين فيها، وقلة الحركة والنشاط العام.

معيقات وصعوبات

أهالي المدينة يدركون أكثر من غيرهم، كون غالبيتهم من العاملين في الدولة، بأن الذمم تجاه الدولة ومؤسساتها تعتبر من الديون الممتازة، وبالتالي فإن ما يمنعهم عن التسديد ليس رغبة ذاتية منهم، بل ظرف اقتصادي ومعاشي يعاني منه كل السوريين، وخاصة بظل أزمتنا الراهنة، وتلك المؤسسات نفسها تقدر هذا الواقع وتصدر التعليمات الناظمة، التي تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع المعاشي القاسي، حيث يتم تقسيط فواتير الكهرباء، كما يتم الإعفاء من الفوائد المترتبة على التأخير في تسديد الأقساط، وغيرها، وبالتالي لا يجب أن تكون تلك الذمم من مبررات ومسوغات المنع من دخول المدينة أو الإقامة فيها.

يقول «أبو محمد» سببان أساسيان يمنعان المدينة أن تستعيد حياتها ونشاطها المطلوب، وتقف عائقاً أمام التشجيع المعلن عنه لعودة الأهالي إليها والإقامة فيها:

الأول هو، المواصلات، التي تعتبر من المعيقات الأساسية لعودة الحياة إلى المدينة، وذلك لارتفاع أسعار النقل بالسرافيس التي تصل إلى 200 ليرة للشخص، أي أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد، (مثل أسرته المكونة منه وزوجته العاملين وأبنائه الاثنين طلبة في الجامعات)، لن تستطيع العودة والاستقرار بالمدينة، بسبب اقتصادي، حيث التكلفة الشهرية ستكون بحدود 200*2*4 = 1600 يومياً* 24 يوماً = 38400 ليرة سورية على المواصلات، من المدينة وإلى الكراجات وبالعكس فقط، ناهيك عن التكاليف الإضافية للنقل داخل مدينة دمشق، إضافة إلى الطريق الطويل والحواجز، حيث لا تقل مدة السفرة الواحدة عن ساعتين، وغيرها من منغصات الطريق، بالإضافة إلى أن تلك السرافيس تتوقف عن العمل بعد الظهر، حسب قوله، أي أن من يعمل عملاً ثانياً، للضرورات الحياتية والمعاشية القاسية، أو من كان لديه محاضرة جامعية مسائية، لن يتمكن من العودة إلى منزله مساءً، وسيضطر للمبيت في دمشق.

والثاني هو الإجراءات التي يتم اتخاذها عند مدخل المدينة، من منع الدخول، واحتجاز البطاقات الشخصية، وعدم وضوح الآلية التي يتم من خلالها منح بطاقة المقيم، وغيرها من الإجراءات، التي تحتاج إلى إعادة نظر، على الرغم من أهمية بعض الإجراءات التي حدت وبشكل كبير وملحوظ من السرقات والتعفيش للمنازل بالمدينة، على الرغم من حدوث بعضها.

 

مطالب آنية ملحة

«أبو محمد وأبو علي» يقولان بأنهم من الراغبين في العودة والاستقرار بالمدينة، كما غيرهم، وخلال الحديث مع الأهالي وتقصي أوضاعهم ومعاناتهم  لم يخف هؤلاء أمنيتهم بعودة الأمان لطريق حرستا، حيث أن عودة الحياة إلى هذا الطريق سوف تختصر عامل الزمن، بالإضافة إلى تخفيض أجور النقل بشكل كبير، متفائلين بأن يستعيد هذا الطريق أمانه على ضوء الهدنة والحلول المرتقبة للأزمة العامة، وقد تلخصت مطالبهم الملحة بالتالي:

أن يتم تخصيص باصات للنقل الداخلي من وإلى المدينة، بأجر رمزي يتناسب والتكلفة الفعلية للنقل، حيث أن تأمين هذه الوسائط من الضرورات، نظراً لشريحة سكان المدينة، الذين بجلهم من العاملين والطلبة، ونظراً للوضع الاقتصادي والمعاشي لهؤلاء، مع زيادة عدد سفرات هذه الباصات عند ساعات الذروة، صباحاً وظهراً، وتخصيص سفرة مسائية وأخرى ليلية.

والمطلب الآخر يتمثل بضرورة وضع ضوابط ثابتة لموضوع الدخول والخروج من المدينة، وتحديد المسؤوليات بها، وفصل الموضوع الأمني وضروراته، عن الأمور الإدارية والتنظيمية والمالية الخاصة بدوائر الدولة من أقساط مترتبة وتسديد فواتير الكهرباء وغيرها، بما في ذلك موضوع بطاقة المقيم التي هي شأن البلدية والمختار، وقسم الشرطة، إن لزم الأمر.