أسواق مزدحمة ببضائعها.. وتجار يعانون الكساد مواسم تنزيلات وهمية لم تنقذ البائع ولم تلب المستهلك
يعج سوق الحمراء الشهير في دمشق، بأصوات باعة الملابس معلنين عن عروضهم البيع بأسعار «مغرية» على حد قولهم، داعين المارة لعدم تفويت الفرصة والشراء مباشرة، في حين شجع الطقس المعتدل الناس على قصد الأسواق ولكن ليس بغرض الشراء والتسوق، بل لمجرد التنزه، فرغم الحركة المقبولة نوعاً ما في الأسواق، إلا أن ما يلفت النظر هو ندرة الحركة الشرائية رغم موسم التنزيلات، الذي تم تمديده بقرار من وزارة التجارة الداخلية، حيث تعاني السوق كساداً في البيع، وتراجعاً في تحديث المعروض، فمن الممكن أن تجد ملابس من موديلات تعود لموسم أو موسمين سابقين لا تزال على واجهات المحلات.
بضائع قديمة ونوعيتها رديئة
وتقول فادية ربة منزل وأم لخمسة أولاد، وتقطن في دمشق إنها قصدت السوق لشراء كندرة، لكنها تفاجأت أن الأسعار لم تتغير كثيراً عن السابق، حتى مع إعلانات التخفيضات، وسعر الكندرة لا زال لا يقل عن 3 الاف ليرة.
وتابعت «واجهات معجوقة بالموديلات، لكن عند قياس الكندرة تشعر بأنها قطعة خشبية لا يمكن السير بها، فضلاً عن محاولة استغباء الزبائن والادعاء بأنها مصنعة من الجلد الطبيعي وسعرها 3500 ليرة، في حين أن أية كندرة أخرى في محلات مجاورة سعرها مماثل وأغلى، وليست جلداً طبيعياً»، في إشارة منها إلى ابتكار أساليب للترويج للبضاعة واستغلال موسم التنزيلات بالكذب فيما يخص النوع والجودة، وليس فقط السعر.
تخفيضات «اسمية»
ومن جانبها قالت «منى»، موظفة في القطاع الخاص، لا يمكنني شراء حاجاتي إلا في مواسم التخفيضات، لكن الأسعار مؤخراً تبقى مرتفعة حتى ضمن تلك المواسم، ولا يزال سعر بدل كامل من بنطال وكنزة وحذاء وجزدان، دون جاكيت، يحتاج مبلغاً لا يقل بأي حال من الأحوال عن 17 ألف ليرة سورية، أي أكثر من نصف راتبي، وهذا غير معقول او منطقي.
وأضافت «في حال أردت شراء الملابس أنا وأحد أفراد أسرتي، سنحتاج أكثر من راتب شهر كامل من العمل، ونبقى دون طعام أو غيره».
أما أبو فوزي، معيل لأسرة نازحة من منطقة مخيم اليرموك، فأكد أنه لم يقصد السوق لشراء الملابس له أو لأفراد عائلته منذ سنوات، بسبب ارتفاع الأسعار غير المنطقي أو المقبول، مؤكداً أنه يعتمد على المعونات والتبرعات من الجمعيات التي توزع ملابس، معظمها مستعمل.
وقال أبو فوزي، ويعمل معلم صحية، «كل ما أجنيه طول الشهر، لا يمكن أن يكفي مهما بلغ، حيث أدفع أجرة منزل 25 ألف ليرة شهرياً، ولا يمكن بأية طريقة أن أتمكن من دفع سعر قطعة ملابس جديدة لي أو لزوجتي أو أولادي، حتى في موسم التنزيلات التي لا نشعر بأنها تنزيلات ولا تقترب حتى من اسمها».
الأسعار تضاعفت ألف مرة
في حين اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عدنان دخاخني، خلال تصريحات صحفية، أن «الأسعار مازالت مرتفعة بعد التنزيلات مقارنة بالدخل الذي لم يتغير، فدخل المواطن سواء في القطاع الخاص أو العام لم يتضاعف بالنسبة نفسها التي تضاعفت بها الأسعار».
وأوضح دخاخني: إن الأسعار تضاعفت لكثير من السلع والخدمات بنسبة 1000%، بينما الدخل زاد في أحسن الأحوال بحدود 30%.
ولفت دخاخني إلى أن التجار طالبوا بتمديد فترة التخفيضات، بسبب ضعف الحركة الشرائية وعدم تصريف البضائع، فالمواطن يعاني ضائقة مالية تمنعه من اقتناء الملابس التي باتت تندرج تحت بند الكماليات في ظل وجود حاجيات أساسية ملحة أخرى، يتطلب تأمينها ميزانية مرهقة بسبب ارتفاع الأسعار.
في السوق حركة سؤال
عوضاً عن الشراء
وفي جولة على سوق الحمرا بدمشق، تبين التفاوت الكبير بين أسعار المحلات، وتكدس البضائع فيها، والسمة الغالبة هي قلة الطلب إلا ما ندر، في حين تكثر فقط الأسئلة عن الأسعار لمجرد السؤال لا أكثر.
ووضع معظم التجار لافتات وملصقات العروض والتنزيلات بنسب مختلفة وصلت في بعض محال الماركات إلى 75%، بينما امتنع قلة قليلة من المحلات عن إعلان التنزيلات.
وتباع الجزمات بسعر 7 آلاف تقريباً وسطياً، وهي موديلات قديمة وجودة متوسطة وأقل، وفي محال الماركات بسعر 10 آلاف، أما الكنادر أسعارها بين 3000 و6000 حسب الموديل، بينما توجد محال تبيع الكنادر الطبية بسعر 6 آلاف وسطياً، وتمتاز بجودة مقبولة.
أما الملابس النسائية، فلا يزال سعر بنطال الجينز لا يقل عن ستة آلاف ليرة ويصل إلى تسعة آلاف، بينما البنطال القماش بعضه يباع بسعر 5 آلاف وسطياً، تبعاً لنوعية القماش والموديل واسم المحل.
وتباع الكنزات بسعر 2500 ليرة، لكنها ليست سميكة القماش، أما الصوف فلا تقل عن 4 آلاف ليرة رغم إعلان التنزيلات، بينما القميص يباع بسعر حوالي 2500 ليرة وسطياً، والفيزونات في محال الماركات تباع بسعر ألفي ليرة تقريباً، وهو سعر متقارب مع سعر السوق.
وهناك محلات تضع إعلانات لأسعار الجزادين، فبعضها بسعر 2500 ليرة، وهي بحجم صغير، وأخرى بسعر 4 آلاف، لكنها ليست بالجودة العالية، إذ لا تقل أسعار الجزادين ذات الجودة الأعلى عن سعر 7 آلاف.
أما الجاكيتات، فتختلف أسعارها كثيراً تبعاً لنوع القماش وطول القطعة، فبعضها بسعر 8 آلاف وهي القصيرة تحديداً، بينما لا يزال سعر الجاكيت الأطول، لكنها لا تصل إلى الركبة، بحدود 15 ألف ليرة، وحتى في محال الماركات.
وبالنسبة للبيجامات الشتوية، فهي أيضا معروضة بأسعار مدرجة تحت مقولة التخفيضات، وبعض المحلات العادية أعلنت عن سعر البيجامة بـ 2500 ليرة للقطعة، وهي ليست بجودة عالية، أو بالموديل الحديث.
وبالحديث عن أسعار الملابس الرجالية، يبدأ سعر القميص الرجالي من 2500 ليرة، وهذه الأسعار ليست شديدة الانتشار وموديلاتها محدودة جداً، أما بالعموم يبلغ سعر القميص بين 4 و6 آلاف ليرة.
ويباع البنطال الجينز الرجالي بسعر لا يقل عن 6 آلاف ليرة ويتدرج صعوداً، في حين البناطلين الكتان سعرها حوالي 6800 ليرة بمحال الماركات، وفي المحال العادية تباع بأقل وصولاً الى 3 آلاف.
وفيما يخص الكنزات الرجالية، تباع بسعر 5 آلاف وسطياً، وهناك أخرى بسعر أقل بحسب المحل، بينما يرتفع إلى 6500 بوجود إضافات فيها كالقبعة مثلاً.
أما أسعار ملابس الأطفال فهي مرتفعة مهما كان الموسم، ويصل سعر بنطال وكنزة إلى 7 آلاف ليرة.
ولا يتفاجأ المرء إذا وجد محلاً يغرد وحيداً بأسعاره المرتفعة جداً، فتجد لديه سعر الجزمة 22900 ليرة، وسعر الحذاء بدون ساق 12900 ليرة، وآخر بسعر 10800 ليرة وهكذا...
سوق بلا رقيب.. ووزارة في صمت
ويبقى حال المواطن السوري يتجه نحو الأسوأ، مع انعدام مسؤول كفؤ يقوم بواجبه ويتحمل مهامه، بما يؤدي لمصلحة الشعب، حيث بات الحديث عن وجود وزارة كاملة تحمل اسم حماية المستهلك يثير الاستياء، وباتت المطالبة بإيجاد حل حقيقي يكفل ضبط السوق ويحمي المستهلك، حاجة ملحة، لابد وأن يدركها أصحاب القرار، فقد بات الفلتان الذي يعيشه السوق المحلي متفاقماً، لدرجة كبيرة، تدق جرس الانذار بما هو أسوأ.
وتعد مواسم التنزيلات في سورية، خير مثال على الاستغلال والغش الذي يتسم به التاجر، حين يسعى بكل فرصة لجني الربح ولا يقبل بأقل من نسب خيالية في تلك الأرباح، ولا تزال صورة هذه المواسم في ذهن السوري عبارة عن أوهام لإقناعه بالشراء، في حين أن الأسعار لا تكون مخفضة أو على الأقل ليست بذات نسب التنزيلات المعلنة على الواجهات.