مدينة الفقر والفكر

مدينة الفقر والفكر

يقولون أن الحياة جميلة وأن تعاش بحلوها ومرها، ومدينة السلمية واحدة من الاستثناءات، فهي تعيش الحياة بمرها فقط، ليس خلال السنوات الخمس الماضية، بل قبل ذلك بعقود، وعلى الرغم من ذلك فهي الجميلة بعيون أهلها، كما في عيون بقية السوريين.

 

 

أعوام الحرب زادت من معاناة المدينة والأهالي، فهي المدينة المنسية على أطراف البادية، على الرغم من كونها القلب لسورية، بموقعها الجغرافي، وبناسها الطيبين الغيورين والوطنيين، وهي نقطة التماس المباشرة حالياً مع الظلام المحيط بها شرقاً، المتمثل بتنظيم داعش الإرهابي، وغيره من التنظيمات الارهابية الأخرى.

صباحات منهكة بالجوع

الإعلان عن وقف الأعمال القتالية، والهدنة، مر مرور الكرام على أسماع الأهالي هناك، ولم تتح لهم الفرصة ليتنفسوا الصعداء على وقع الخبر، حيث قام التنظيم الإرهابي، وبعد الإعلان عن بدء تنفيذ الاتفاق بساعات قليلة، بتفجير سيارة مفخخة على طرف المدينة الشرقي، مذكراً الأهالي بأنهم تحت مرمى النيران والاستهداف من قبله.

المدينة التي اعتادت أن تعيش الفقر والجوع، استفاقت على وقع التفجير الانتحاري الذي ذهب ضحيته العديد من الأهالي، لتذهب أحلام المدينة وأهلها العيش بهدوء، ولو لساعات قليلة، أدراج الرياح، وليستعيدوا صباحاتهم المنهكة، بمواجهة الجوع والغلاء والفساد، وتوسع أنشطة الخارجين على القانون فيها، بتغطية من بعض المتنفذين والمنتفعين، على حساب الأهالي ومعاناتهم.

نفوذ وسطوة أكبر من الدولة

الفلتان الأمني في المدينة بات ظاهرة خطيرة جداً، حيث وبكل بساطة، يمكن أن تشاهد مشاجرةً واقتتالاً، يصل لحدود استخدام الأسلحة والقنابل، داخل المدينة بين بعض الأفراد المنتمين لهذه المجموعة أو تلك، من المحسوبين على الأهالي بأنهم وجدوا لحمايتهم، وذلك بسبب الاختلاف على الغنائم أو المصالح ومناطق السيطرة والنفوذ، والأشد بؤساً والأكثر إيلاماً، هم الضحايا من الأهالي الذين يتصادف وجودهم في أمكنة تلك المشاجرات، فيكونوا ضحية مباشرة للشجار أو للنيران المفترض بأنها صديقة، ولا حياة لمن تنادي بأية مطالبة لمحاسبة هؤلاء من قبل المسؤولين عن المدينة، حيث بات كلّ منهم يعتبر نفسه هو الدولة، والآمر الناهي فيها، مما زاد من تذمر الأهالي وسخطهم، حيث وسعوا، ولأكثر من مرة، من أجل إيجاد حلول جدية وفاعلة تجاه هؤلاء ومحاسبتهم، مع المسؤولين عن المدينة، ولكن دون جدوى حتى الآن، على الرغم من كثرة الوعود المقطوعة والمقدمة من أجل ذلك.

عمليات الخطف من أجل الفدية، وعمليات السلب والتشليح، وعمليات السرقة والتعفيش، مازالت تجري على قدم وساق، داخل المدينة وفي القرى القريبة التابعة، تخبو وتستفحل بين الحين والآخر، دون أية إجراءات رادعة للعابثين من هؤلاء، الذين أصبحوا منفلتين، وغير عابئين إلا بما يمكن أن يحققوه من مكاسب على حساب الأهالي وأمنهم ومعيشتهم، وعلى مرأى ومسمع المتنفذين في المدينة والمسؤولين عن إدارتها وأمنها كلها، بل يقول الأهالي أن هؤلاء أصبح نفوذهم وسطوتهم أكبر من أجهزة الدولة في المدينة.

عوز مائي

الواقع المعاشي والخدمي في المدينة بحالة يرثى لها، حيث يعاني الأهالي من واقع جنون الأسعار المتحكم بها من قبل التجار والمحتكرين، كما غيرها من المدن السورية، دون رقيب أو حسيب. كذلك الأمر بالنسبة للكهرباء التي باتت من الأحلام المؤجلة، وغيرها من الخدمات التي تتردى يوماً بعد آخر، مع التردي المستمر على الوضع المعاشي.

مشكلة العوز المائي هي الأكبر حالياً، بعد أن أصبحت المياه أداة من أدوات الحرب المباشرة على الأهالي، حيث باتوا يذهبون إلى المناهل من أجل تعبئة المياه الصالحة للشرب بالبيدونات، أما تلبية الاحتياجات الأخرى من المياه فيتم تأمينها من الصهاريج المتنقلة، حيث تباع كل خمسة براميل بـ 900 ليرة، مما زاد من المعاناة والضغوط المعيشية، ولتصبح التجارة بالمياه شكلاً جديداً من أشكال الاستغلال لحاجات الناس، من قبل المنتفعين المتحكمين أنفسهم.

المحاسبة ضرورة صمود

مدينة السلمية تعتبر هدفاً للتنظيم الإرهابي داعش، المتمركز على أطرافها الشرقية، في مساعيه الدائمة للسيطرة عليها وعلى القرى والبلدات التابعة لها، حيث تكررت عملياته واستهدافاته ومحاولاته، لتحقيق هذا الهدف خلال السنوات الماضية، دون جدوى من خلال صمود الأهالي وتماسكهم، ودفاعهم المستميت عن أرضهم، بالتعاون مع قوات الجيش. 

ومع التردي بالواقع الأمني داخل المدينة وانفلاته، باتت المدينة خاصرة رخوة أمام تلك المحاولات، التي يلجأ إليها التنظيم الإرهابي من أجل إثبات وجوده، ولو على مستوى الدعاية فقط، بعد أن أصبح وداعميه بمرحلة التراجع والانهيار، ما يعني ضرورة الاهتمام بالمدينة والتركيز على تأمين متطلبات صمودها وأهلها، بمواجهة هذا القبح والظلام الداعشي، والذي يبدأ بمحاسبة الخارجين على القانون كلهم، المحتمين بهذا التشكيل أو ذاك الفصيل، الذين استباحوا أهلها وممتلكاتهم وأمنهم، حتى أصبحوا أشد وطأة على الأهالي من القذائف المنهالة عليهم، والتفجيرات الانتحارية التي تستهدفهم من قبل الارهابيين، بالإضافة إلى ضرورة محاسبة المتلاعبين بقوتهم وبمعيشتهم وخدماتهم، من التجار والسماسرة والفاسدين من المتنفذين.