إلى متى سيبقى مخيم الوافدين في زي العري؟!
هناك داخل الريف السوري، وخلف أروقة المخيمات التي تصنف على أنها سورية الهوى تختفي الحكايا والقصص، وتمجّد الأفعال والأعمال التي لم تكلل بالتمام، على أنها تمت وقدمت للمواطن على أطباق من ذهب، أما المواطن المدلل فليس له إلا تصديق الحجج الواهية التي يتبجح بها صناع القرار في الحكومات المتعاقبة.
في مخيم الوافدين تكتمل بحور الشعر، وتسدل الشمس أشعتها الذهبية، لكنها تتغير هناك وتصبح سوداوية الانعكاس، إذ لم يكف هؤلاء الناس ما تعرضوا له من تشريد ومرارة في الغربة الوطنية ونعتهم لأكثر من أربعين سنة بالنازحين، وكأنهم من وراء الفواحش وصناعها، بل زادهم زمن الحكومات «القولجية» قساوة وتشريداً، ومن ثم فصلهم ووضعهم في حزام أبرز سماته الفقر وعدم الاكتراث، وكأنهم خارج النسيج السوري بعدما اقتلعوا من منازلهم وقراهم ومزارعهم، هذا المخيم تقطنه غالبية عظمى من أبناء الجولان المحتل ويوجد فيه ضاحية متنوعة الأطياف.. هناك تموت الأسماء والصور الخيالية التي تكونت وتبقى القضية وحدها، تجرف المشاعر وتتكسر ويبقى الدم السوري هوية، كما تبقى قصص التهجير والمعاناة محفورة في قلوبهم، يناضلون من أجل حلم العودة بينما الوطن يرفضهم من خلال عدم تحمله لأبسط حقوقهم..
في جولة واحدة في حاراته وزواريبه الضيقة، يمكنك أن تشاهد بأم عينيك قلة الاهتمام وعدم الاكتراث بمخيم الوافدين.. الوجوه الأولى التي ستشاهدها صفاتها الفقر المدقع، وعند دخولك من أحد مدخليه ترحب بك حاويات القمامة فاغرةً أفواهها حيث يكمن الأسى في سوء الخدمات وفقرها.. الحفر في كل مكان، ظلام في حاراتها ليلاً، كلاب وقطط شاردة جاءت من كل صوب، ينابيع مياه غزيرة التدفق شتاءً عند مدخلي المنطقة... مدارس نسيها الزمن المر، بيوت عشوائية غير مستملكة يدفعون ما فوقهم وما تحتهم لإجل رخصة بناء لبيوت لن يملكوها، علماً أنها منحت لهم عام 1968.
ثلاثون ألف نسمة يستوطنون مساحةً تقدر /1/كم2، أطفالهم ليسوا ككل الأطفال، يتعلمون ويكبرون بل يكبرون منذ ولادتهم ويزرع في ذاكراتهم كالوشم أنهم نازحون، وعليهم أن يتجردوا من طفولتهم ويختاروا «مفتاح شق» أو ربما خرقة وسطل ماء بدل أن يختاروا دفتراً وقلماً.. ولا يذكرون قط أنهم لعبوا في حديقة مخيمهم الوهمية والموعودين بها منذ الزمن الأول، لهم البطالة بأنواعها وفقط..
النساء ما أروعهن وهن يداً بيد مع رجالهن في تحصيل رزق اليوم.. الصحة معدومة وغائبة بمديرياتها ووزاراتها هناك، فحلقات التقصير وسلسلة الإهمال مازالت على أشدها وأكثر حبكةً وصراعاً.. ولنكمل الحديث عن هذه الوزارة التي من المفترض أن شأنها رعاية المواطنين وتأمين كوادر طبية مؤهلة، هي اليوم عاجزة عن تأمين أبسط الحقوق تجاه المواطنين وغير قادرة على تأمين مستلزمات الأدوية، أو ربما تكون المستلزمات موجودة وتوزع حصصها قبل وصولها، ولا نعلم كيف يتم ذلك تماماً فالطرق متنوعة، لكن الرعاية الصحية في هذه المساحة المهجورة عن النطاق الحكومي مفتقرة إلى أدنى الحدود من الاهتمام والواجبات مع العلم بأنه يوجد هناك مركزان صحيان (مستوصفان) حديثا البناء متخلفا الخدمات.. وبنظرة إلى كوادرهما سنجد طبيباً واحداً في كل مركز إذا غاب يوماً أحدهما يصبح المركز وكأنه أشبه بعطلة رسمية... وإن حضر هذا البروفسور في كل الاختصاصات يغيب الدواء.. «وحلها إذا بتحلها» وهذا ما يجعل من الخدمة الطبية في هذه المنطقة ذات مستوى عالٍ جداً من اللامبالاة في حياة البشر وترخيصها، فطبيب واحد يا وزارة الصحة ومديرياتها في القنيطرة غير قادر على علاج خمسة اشخاص في يوم واحد إذا أراد فحصهم وتشخيصهم بضمير، وبما أنه وحيد فهو غير قادر على توصيف حالة واحدة خارج اختصاصه... والحالات هناك مختلفة بحاجة إلى توصيف علاجي صحيح، وبهذه الحالة إما أن تزداد حالة المواطن سوءاً أو تؤدي به إلى فقدان حياته لأنه بهذه المنطقة لا يتوافر أطباء نهاراً..
إلى متى سيبقى الاستهزاء والاستهتار بالمواطنين، والنازحين منهم خصوصاً هو الصفة الملازمة للحكومات؟ ألا يحق لهم أن يتمتعوا بحقوقهم كبشر... ألا يجوز أن تقدم الخدمات.. أم إذا تفجروا حينها فقط تتشقط عنهم الهوية السورية وينعتون بالسلفيين.. ربما؟!.