شبكات تزوير.. وتعميم
بناءً على شكاوى المواطنين حول وجود حالات تزوير بإجراءات البيوع العقارية، أصدرت وزارة العدل تعميماً من أجل الحفاظ على حقوق الملكية العقارية، وحماية أصحابها جراء التزوير ببيع العقارات، استناداً إلى وكالات مزورة.
حيث طالب التعميم المذكور، المحاكم والقضاة، أثناء البحث في القضايا المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية، بمخاطبة الكاتب بالعدل الذي نظمت لديه الوكالة، للإجابة عليها خطياً، للتأكد من صحة وسلامة البيع المنظور أمام المحكمة.
يشار إلى أنه، وبنتيجة الوضع الراهن، قد ازدادت الشكاوى المتعلقة بالتزوير، وبعمليات النصب والاحتيال، وخاصة بموضوع البيوع العقارية، استناداً إلى وكالات ووثائق مزورة، حتى باتت ظاهرة، أدركتها وزارة العدل، بمحاولة للجمها والحد من نتائجها السلبية، عبر تعميمها أعلاه.
ظاهرة خطيرة
ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن قلنا بأن تلك الظاهرة تعتبر من الخطورة بمكان، على مستوى حقوق الملكية العقارية في البلاد، خاصة وجميعنا يعلم بأن نصف مواطني البلاد باتوا نازحين أو مهجرين، جراء الوضع الراهن، كل منهم ترك خلفه منزله وأرضه وممتلكاته، ما يعني أن تلك الظاهرة لم نلمس إلا الجزء اليسير من تداعياتها حتى الآن، والقادم سيكون أكبر، عندما تستتب الأمور، ويبدأ الأهالي بالعودة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم.
ضرورة التكاتف
ومع ازدياد معدلات التزوير بالوثائق والمستندات الرسمية، من بطاقات شخصية ووكالات وصكوك بيع، وغيرها من الوثائق التي بات يعلن عن توفرها عبر المواقع الالكترونية، وبأسعار تنافسية، تصبح تلك الظاهرة أخطر وأكبر من أن يتم تداركها أو احتوائها بإجراء، كالتعميم، أو غيره من الإجراءات الإدارية البسيطة، التي تقوم بها جهة بعينها فقط، رغم أهميته وضرورته للفت الأنظار بشكل رسمي إلى ظاهرة باتت واقعاً وتتوسع، بل من الواجب تكاتف عدة جهات معاً من أجل إيجاد صيغة عمل تمنع استخدام واستثمار أية وثيقة مزورة، وبالحد الأدنى لدى الدوائر الرسمية، مع التشدد بالعقوبات المنصوص عنها لقاء جرم التزوير بالوثائق والمستندات التي لها الطابع الرسمي، وخاصة عندما تتعلق مسألة التزوير تلك بحقوق الغير، عبر تعديل نصوص المواد القانونية المتعلقة بذلك، وبالسرعة الممكنة، للحد من استمرار انتشار تلك الظاهرة.
ولعل السرعة بأتمتة العمل وتكامله بين القطاعات العامة المعنية بحقوق المواطنين، من الأهمية بمكان، خاصة بعد أن تعرضت الكثير من الوثائق والثبوتيات لعمليات التخريب والضياع، جراء تدمير العديد من المنشآت العامة في المناطق الساخنة، من قبل الإرهابيين، أو بنتيجة العمليات العسكرية، كالسجلات المدنية، والسجلات العقارية، وسجلات المحاكم وأضابيرها، وغيرها من الأبنية والمنشآت، التي بها سجلات وثبوتيات عامة، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الآليات القانونية، الواجب إبداعها وابتكارها، والتي من خلالها يمكن أن يتم التأكد من ادعاءات المواطنين بحقوق الملكية، وغيرها من الحقوق الأخرى.
ظاهرة وضرورات استثنائية
ظاهرة التزوير والنصب والاحتيال التي زاد انتشارها مؤخراً، يبدو أنها لم تعد ظاهرة فردية، أو ضيقة، بل هي عبارة عن شبكة واسعة، من العملاء والمتقصين والعاملين بحقل الدلالة والسمسرة، بالإضافة إلى متخصصين بالتزوير، بما في ذلك الالكتروني المعتمد على التقنيات الحديثة، ومعتمدة على أرضية الفساد المنتشر، هنا وهناك، عبر بعض ضعاف النفوس في الوظائف العامة، بالمشاركة مع مستفيدي الأزمة المستحدثين في البلاد، على ذلك فإن الواقع يشير ويعبر عن وجود ظاهرة ذات بنية شبكية أكثر تنظيماً مما تبدو عليه، بل يمكن أن توصم بطابع الجريمة المنظمة، وبالتالي فإن مواجهاتها تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية أكثر عمقاً وجديةً وفاعليةً، وعلى مستويات عديدة، وعبر جهات متعددة، بالتوازي والتكامل فيما بينها.
حكومة ودستور
إن حق الملكية من الحقوق المصانة دستورياً، وعلى ذلك فإن الحفاظ على هذا الحق هو واجب دستوري على الحكومة، عبر وزاراتها ومؤسساتها المختلفة، ومع ذلك لم نجد تفرغاً جزئياً من قبلها لبحث الانتشار لظاهرة التزوير، وشبكتها العاملة عبر البلاد، ولوضع حد لها، والتي يتم من خلالها سرقة المليارات من جيوب المواطنين وجهدهم وعرقهم، عبر نقل ملكية عقاراتهم أو أراضيهم للغير بالاحتيال والنصب والتزوير، وهي على علم بأن نصف المواطنين السوريين باتوا بعيدين عن أراضيهم وممتلكاتهم، رغماً عنهم، وبالتالي بات واجب الحفاظ على هذا الحق أكثر مسؤولية تجاهها حصراً، وبالمقابل نراها تفرغ الكثير من وقتها لزيادة استنزاف هذا المواطن، عبر العديد من القوانين والتشريعات.