أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

إبعاداً لخطر الاقتتال الأهلي وتمزيق الوحدة الوطنية.. سلمية الحركة الشعبية ضمانة لاستمرارها حتى تحقيق مطالبها.. فما رأي المحتجين؟

 دخلت الاحتجاجات الشعبية الواسعة شهرها السابع وسط أجواء ضبابية مجهولة المعالم وكثيرة الاحتمالات، حيث تتباين المواقف والآراء بتطورات وانعطافات الحدث، فتعلو بعض الأصوات تارة وتصمت أخرى، وتظهر معالم سيناريوهات جديدة وتستتر أخرى مختفية في غياهب المجهول. والمؤسف والخطير أن هناك تصاعداً في محاولات حرف الحركة الشعبية السلمية عن مسارها بالشعارات والإيعازات والعناوين وأشكال التعبير...إلخ.. كما كثر في الآونة الأخيرة راكبو الأمواج الساعون وراء الكمسيونات الجانبية، أما السمسرة الخارجية والمتاجرة بدم الشعب السوري فما تزال على أشدها، وتتناوب عليها الوساطات التركية والفرنسية والأمريكية والأوروبية، ودول عربية أيضاً. ومع كل هذا فقد استطاعت المظاهرات المحافظة على استمراريتها رغم تطويقها بالقبضة الأمنية والقتل والاعتقال من جهة، وبروز بعض مظاهر التخريب والتسلح والإجرام من بين صفوفها تارة أخرى، واستمرار العقلية القمعية والعقاب الشعبي الجماعي المتجلي بالعنف الجائر الفاقد للإنسانية، وعدم اعتراف المتغولين على السلطة بعد كل هذه المدة بالاحتجاجات التي تجوب البلاد طولاً وعرضاً، رغم أن رئيس الجمهورية أكد أن هناك مطالب مشروعة يجب تلبيتها.

الاحتجاجات الشعبية التي بدأت سلمية هي الآن أمام الكثير من التحديات والسيناريوهات المفتوحة على وجهة نظر صناع القرار فيها أو خارجها، وأخطر السيناريوهات التي نتخوف منها هي تكرار المسلسل الليبي المتمثل بالانتقال من السلمية إلى التسلح ومواجهة الجيش والأمن بالنار، وهذه ستكون بداية الكارثة طبعاً، حيث يكمن وراء هذا المنعرج الكثير من المخاطر بدءاً من تدمير التركيبة الديموغرافية المتجانسة وتداخُل التنوع الطائفي في سورية المبني أساساً على التآلف والمحبة والسلام واحترام الآخر، وهذا أحد أسباب استمرار الحراك الشعبي المُحِق لمدة ستة أشهر، رغم وجود بعض حالات انتقام فردية ناجمة عن الاستخدام المفرط للعنف والقمع ضد المظاهرات، والعقاب الجماعي الذي لا يميز الخلايا الخبيثة من السليمة.

ومع ذلك فالتسلح سيناريو مرفوض تماماً، لأن لجوء الحراك الشعبي إلى حمل السلاح طريق مؤدية نحو الاقتتال الفئوي والحرب الأهلية، والدخول في صراعات مدمرة لا نريدها، من شأنها تدمير البلاد وإرجاعها إلى أزمنة ما قبل الدولة الوطنية، التي لم تكن موجودة في سورية أصلاً، فسورية لها حسابات متشابكة داخلياً ودولياً، من حيث موقعها في منطقة مشتعلة بالأحداث منذ عصور، وانفراد موقفها من الصراع العربي ضد إسرائيل، ونسيجها متنوع الأطياف والاتجاهات والاعتقادات، وانفتاحها على العديد من دول الجوار متنوعة الأطياف أيضاً ولها تبعيات وتداخلات في الداخل السوري.. كل هذا من شأنه إشعال المنطقة ككل، لذلك على كل الأطراف في سورية أن تتحلى بالحكمة والروح الوطنية العالية حفاظاً على البلد من الانزلاق في متاهات لا تُعرَف نهايتها، لأن الحرية التي خرج المحتجون ليطلبوها يكفيها من الدماء ما نزف، ومن الحزن ما أصابها حتى الآن، وعلينا جميعاً السير بالسبل المشروعة والسلمية لحقن دماء السوريين. وحول المطالب الشعبية والتعاطي معها ضمن التحولات في المعطيات والسيناريوهات المطروحة، جالت «قاسيون» في بعض أحياء دمشق وريفها، دوما نموذجاً، وطرحت السؤال التالي: «ما الذي آلت إليه الأمور حتى بتنا نسمع طرح فكرة التسليح بعدما كانت الاحتجاجات الشعبية سلمية؟ وما الحلول البديلة المطروحة، إذا وجدت؟ وكيف سيصبح الوضع إذا تسلحت مظاهراتكم؟ فكانت لنا الإجابات التالية:

 ـ المواطن (عمر. م) الذي يعمل مترجماً قال: «أن تتحول الحركة الاحتجاجية إلى ثورة مسلحة مرهون بخيارات النظام، فاليأس والقنوط من إمكانية قيام النظام بأي إصلاح حقيقي، وشعور المتظاهرين بأنهم يجب أن يدافعوا عن أنفسهم ضد كل أشكال القمع والقتل والاعتقال، قد يدفع البعض إلى اللجوء للعنف والتسلح، وبما أن النظام قد أثبت فشله في حل الأزمة من خلال تبنيه للحل الأمني بشكل أساسي، مع اتخاذ خطوات «إصلاحية» قاصرة حتى الآن عن مواكبة مطالب الشعب، ولا تعدو كونها إصلاحات هامشية أو مجرد حبر على ورق لم تحفظ كرامة المواطن ولا قطعت الطريق على من يحاول جر البلد إلى المجهول، وفي ضوء هذا المشهد لا أظن أن الحل قريب، ولعل القادم من الأيام سيحمل لوطننا الحبيب ما لا يرضاه أي سوري، إلا إذا استطاع العقلاء، في النظام أولاً والمعارضة ثانياً، تغليب مصلحة الوطن ووقف النزيف على المصالح الفئوية».

 ـ المواطن (محمد. أ) وهو مساعد مجاز في الهندسة الزراعية قال: «أن نرى شباب الوطن وأطفاله ونساءه يُقتَلون بهذه الطرق الوحشية على أيدي عصابات الأمن والشبيحة سيجعل من البعض منحازين إلى الخيار المسلح، وأبواق النظام لا تكف تدافع عن القتل عبر قنوات مداهِنة، ولا نستغرب هذا كونهم منتفعين من خيرات الشعب، وأنا هنا أوجه نداءً إلى شرفاء الجيش السوري العظيم، أن يكفوا عن قتل الأبرياء من هذا الشعب العظيم الذي أوكلت إليهم حمايته، وأن يميزوا بين المخربين والعصابات المسلحة وبين التظاهرات السلمية. أما بالنسبة إلى تحويل الثورة إلى حركة مسلحة فإني أرفض هذه الأطروحة، لأن ذلك سيكون نصراً للمزيد من إراقة الدماء والضحايا والاقتتال الأهلي، والحل هو ببقاء الثورة سلمية ودعمها للمسار الموازي والمطالبة بالحقوق عن طريق حوار تحت سقف الوطن».

 ـ المواطن (وائل. ن) العامل في القطاع الخاص قال: «أُحمِّل النظام المسؤولية عن الوضع الراهن وعن كل قطرة دم نزفت في سورية، وعلى الشرفاء في هذا النظام الابتعاد عن الحل الأمني وإبقاء الجيش محايداً وعدم زجه في حرب ليست حربه ومكانه هو الدفاع عن الوطن، لأن توريطه في القتل سيؤدي إلى التسلح الذي بتنا نسمع به كثيراً ولا نتمناه، لأنه سيدمرنا جميعاً وسيزيد من عدد الضحايا الأبرياء، أما الحل المطلوب من السلطة هو الالتفات الجدّي إلى الحوار وكف القبضة الحديدية، والاعتراف بالمطالب التي أخرجت الثورة وأفقدت السلطة الكثير من المؤيدين وجعلتهم صامتين».

 ـ أما المواطنة (ق. ت) التي تعمل في مخبَر كيميائي فقالت: «إن القتل والحل الأمني هو الذي جعل الأمور تزداد تعقيداً والجنوح إلى التسلح، لكن نتمنى من جميع السوريين ألا يفكروا بهذا الحل، لأنه سيجعل من سورية مسرحاً لفوضى طويلة الأمد، ويجب أن يبقى الحراك سلمياً، فبفضل السلمية والتأكد من أحقية المطالب تلاشت أعداد مسيرات التأييد، وإن أصبحت الاحتجاجات مسلحة فسورية ستتحول إلى ساحات كثيرة للمعارك، وهذا من شأنه أن يجعل من الحراك فتنة».

 ـ المواطن  الصحفي (أحمد. د) قال: «السلمية هي الخيار الأفضل، صحيح أن حماية المظاهرات ضرورة لازمة، ولكن من قبل الجيش وليس ضده، وبالتنسيق مع كل الأطراف بالتفاهم والحوار، وبعد أن كثر الحديث عن التسلح نسينا المشاكل الحقيقية التي خرجت من أجلها جموع المواطنين إلى الشارع، والذي جعل الناس تفكر بالتسلح على ما يبدو أن هناك أناساً جدداً بدؤوا يركبون الحراك ويغيرون هويته ومبادئه، ويجب علينا أن نحرص على سلمية الحراك والتخلص من هؤلاء».

 ]ـ المواطن (أيمن. ب) قال: «كثر الكلام في الفترة الأخيرة عن تسليح الثورة، بعد أن لعب الكثيرون على تقسيم السوريين الذين خرجوا في الحراك حسب فئات وتصنيفات طائفية، فالحديث اليوم كله عن الطائفية أو الفكر الديني المتشدد وعن الدولة الدينية السلفية البعيدة عن الفكر العلماني، والتخوف من إقامة دولة مبنية على أطياف وليست مدنية، وأنا أرى أن الثورة السورية بريئة من هذا الكلام، إلا أن هناك من يحاول تمزيق وحدة الحراك، والعمل على تصنيف المتظاهرين إلى حركات وأحزاب ومطالب فردية، والمشكلة أنه بهذا الكلام نكون قد نسينا مشاكلنا الحقيقية ولماذا خرجت الثورة، فعلينا أن نكمل كما بدأنا، سلمية... سلمية... لا للطائفية ولا للتسلح».

 ـ المواطنة (ي. ف) المجازة في العلوم قالت: «لا يوجد مقومات لحرب أهلية أو طائفية، ولكن استمرار الحل الأمني يزيد من الظلم والقتل، وهذا إن استمر يجعل من البعض خارج عن إرادته لذا أدعو الجميع إلى التحلي بالسلمية والابتعاد عن فكرة السلاح لأنه قد يحصد فاتورة أعلى من الدماء وتغيب في العقول ونحن بغنى عن هذا.

ـ المواطن (عبدالله. أ) وهو عامل في القطاع العام قال: «أنا مؤيد للنظام ولكني حزين بشأن القتل والدم الذي يسيل وأنا ضد التسلح والاقتتال مع إخواني السوريين لأن الوطن للجميع».

 ـ المدرس (وليد. ت) قال: «التسليح قد يعطي المصداقية لرواية الإعلام الرسمي بوجود عصابات مسلحة بهذا الحجم الكبير الذي تدّعيه، وأنا من مؤيدي النظام ومقتنع تماماً بوجود مخربين وعصابات مسلحة ولكن ليس لدرجة العقاب الجماعي الذي تمارسه القوى الأمنية، وأناشد كل الشرفاء في النظام السعي لإيقاف الاقتتال والذهاب إلى حلول سياسية. وفكرة التسلح قد تجعل من البلاد قنبلة موقوتة لحرب أهلية، ونحن نرفض هذا وسنقف ضد من يشعلها».

 ـ المواطن (ه. م) وهو يعمل محاسباً قال: «لا أرى بتسليح الثورة حلاً، بل أرى فيه مصيبة كبيرة تأخذنا إلى سيل من الدماء، وسيجر سورية إلى ما قبل الدولة الوطنية، وبالمقابل يجب على النظام الابتعاد عن الحل الأمني، والشروع بالإصلاح الحقيقي الذي يقنع الناس، والسلمية هي الخيار الأفضل، فهي التي بدأنا بها، ويجب أن نستمر بها».

 ـ المواطن (غدي. م) الذي يعمل بالأعمال الحرة والتجارة قال: «أنا من مؤيدي النظام، ومع شخص الرئيس تحديداً، وهو شاب منفتح على الجميع وعليه أن يكمل الحوار لأنه هو المخرج الآمن من الأزمة، وهو يقدم إصلاحات حتى ولو كانت بطيئة، ويتابع خطاه ولا يوجد مبرر للسلاح».

 ـ المواطن (نوري. خ) الموظف يقول: «أنا لا أفضل الاقتتال الأهلي الذي يمكن أن يخلقه التسلح، وأفضل عدم زج الجيش في الاقتتال فمهمته الدفاع عن وطنه وشعبه وقائده الذي يسير في الإصلاحات، وعلى الجميع الانتظار، لأن الإصلاحات بحاجة إلى الوقت، والرئيس تعهد بتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد».

 أسباب موضوعية ونتائج مرجوة

لطالما قاتل الإنسان على مر التاريخ بأشكال مختلفة من أجل الحرية، والكثير من ثورات التحرر كانت أسبابها المباشرة الأولى هي حاجات الناس الملحة المهضومة من جانب أولي الأمر، فهي اليوم أيضاً مطالب وحاجات المهمشين في سورية، والحقوق المشروعة المسروقة، ومن أبرز هذه الحقوق كرامة العيش وحرية الانتماء والممارسة السياسية والدينية، وحق الحصول على فرص عمل جيدة تلائم الكفاءات بعيداً عن المحسوبيات والقفز فوق القوانين، وحرية الحصول على المعلومات وحرية الإعلام والكلام، وحق التعبير، وحق المشاركة في الحياة السياسية من خلال تشكيل الأحزاب وتداول السلطة بشكل ديمقراطي، وهذه الجولة تبين من الذين طرحت عليهم الأسئلة عدم الرغبة في حمل السلاح لأنه يؤدي إلى أضرار جسيمة في بنية الوطن الديموغرافية، يمكن أن تؤدي إلى الاقتتال الأهلي، الذي لا أحد من السوريين يتمناه إلا الذين يركبون الحراك من أجل توريطه وحرفه عن مساره المحق، وهذا يخدم الأعداء أولا وأخيراً