دير الزور..عام من الحصار..!

دير الزور..عام من الحصار..!

لن تلغي على نحو مباشر جلسة مجلس الأمن، منخفضة التمثيل والخجولة والتي تريد بعض الأطراف المشاركة بها تسييسها، حول واقع الحصار والمحاصرين المدنيين في سورية، والتي عقدت بينما كانت «قاسيون» في لمساتها الأخيرة قبل الطباعة، من التبعات الكارثية لأشكال الحصار المضروب على أكثر من مدينة أو بلدة سورية. وربما كان التحرك العملي الفعال الذي الذي ينبغي أن تتابع خطواته هو ما قام به سلاحا الجو الروسي والسوري في بدء إلقاء مساعدات على أهالي مدينة دير الزور ضمن عملية إنسانية أعلنتها روسيا بدءاً من عاصمة الفرات السوري، وذلك بعد أيام من تحرك ملف المساعدات لبلدة مضايا بريف دمشق وقريتي كفريا والفوعة بريف إدلب. المادة التالية ترصد المعاناة القائمة في دير الزور بعد عام من الحصار المستمر.

منذ ما يقارب العام تماماً فرض ما يسمى «تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام» التكفيري (داعش)، حصاراً خانقاً على أحياء مدينة دير الزور، التي ما زالت تحت سيطرة الدولة.
وفي المقابل فرضت الأجهزة الرسمية في هذه الأحياء حصاراً آخر داخلياً، حيث كانت تمنع المواطنين من الخروج، ومن توفرت له فرصة؛ فهي إما بوساطة أو بدفع رشوة وإتاوة، وبات أغلب المواطنين يقولون: بين حانا ومانا ضاعت حياتنا، وليس لحانا!.
الغرق في الظلام والعطش
منذ عشرة أشهر وهذه الأحياء تغرق في الظلام، حيث قطعت داعش الكهرباء عنها، وعاد الأهالي لاستخدام بعض طرق الطهي والإضاءة البدائية، وشمل الحصار أيضا مياه الشرب النقية، وباتت تأتيهم كل يومين أو ثلاثة في أحسن الأحوال، ناهيك عن التكلفة العالية للحصول عليها، حيث تحتاج إلى محركات ضخ، والمحركات تحتاج إلى الكهرباء والوقود، ناهيك عن الحاجة للكهرباء لتشغيل الأجهزة الخاصة والعامة، وخاصة التبريد في صيف دير الزور الحار، أو شتاءها البارد، وغير ذلك من الانعكاسات على حياة المواطنين المدنيين، وما زال هذا الوضع مستمراً حتى هذه اللحظة!.
الأسعار تحلق عالياً
لقد أدّى هذا الحصار إلى ارتفاعات عالية في الأسعار، غير الارتفاع العام نتيجة انخفاض قيمة الليرة وقوتها الشرائية، وجشع التجار، حيث تضاعفت عشرة أضعاف على الأقل، ناهيك عن فقدان غالبية المواد الغذائية والطبية وغيرها من الأسواق، وعلى سبيل المثال: فقد أصبح سعر البيضة الواحدة إن وجدت 400 ليرة، وكيلو الزعتر، الغذاء الوحيد تقريباً، 7000 ليرة، وهذا يعني أن أسرة مؤلفة من 5 أشخاص بحاجة لدخل لا يقل عن 500 ألف ليرة لتبق حية فقط، ووصل سعر الرغيف إلى 75 ليرة، وهذا الارتفاع بالأسعار، نتيجة الحصار، اضطرت غالبية الأسر لصرف مدخراتها كلها، ولبيع ممتلكاتها وأثاثها بأسعار بخسة!.
الجوع والمرض
لقد خلّف الحصار المزدوج على دير الزور ليس الجوع فقط، وإنما انعكس على صحة المواطنين، حيث فقدت المشافي دورها تقريباً لعدم وجود الكوادر الطبية، والنقص الحاد في الأدوية، بالإضافة لنقص المواد المنظفة والمعقمة، مما أدى إلى انخفاض المناعة الطبيعية وانتشار الأمراض، وخاصة بين الأطفال، ومنها الحمى التيفية واليرقان والإسهال والجفاف، وعودة كثير من الأمراض التي انقرضت، كالجرب وانتشار الحشرات ومنها القمل، بالإضافة للأمراض القلبية والنفسية والعصبية، التي وصلت إلى حدّ ارتفاع نسب الجنون، وبات غالبية السكان عبارة عن هياكل مومياء تتحرك!.
الحرمان من العمل والرواتب
ولعل من أهم نتائج الحصار المزدوج هو: الحرمان من العمل والرواتب والأجور، وهذا ينعكس على حياة المواطن كلها، حيث لم يعد بمقدور العاملين في الدولة الالتحاق بعملهم، فداعش تمنعهم وألزمتهم بدورات تسميها(شرعية) لفرض هيمنتها، وبالتالي أيضاً يصبحون مطلوبين من النظام، ومن تهجر إلى المحافظات الأخرى لم يعد بمقدوره أيضاً الالتحاق بعمله، وعليه أن يثبت أنه كان قائماً على رأس عمله، وحرموا من رواتبهم حتى رواتب الصيف بالنسبة للمعلمين، التي هي من حقهم، ناهيك عن الأشهر التي اضطروا فيها للانقطاع بسبب إغلاق الطرق، ومن لم يستطع تحديد مكان عمله، اعتُبر في إجازة بلا أجر، علما أنه لا ذنب له بذلك، أما من حددوا أماكن عملهم في المحافظات التي تهجروا إليها، وخاصةً الحسكة ودمشق، ورغم تعيينهم في الأرياف، ما زاد حاجاتهم المادية وتكاليف معيشتهم، وللآن لم تصرف رواتبهم المودعة في مالية دير الزور، التي يضعون شرطاً معجزاً لصرفها وهو الحضور شخصياً، فكيف صُرفت ويمنع تسليمها، حتى بموجب وكالة رسمية مصدقة من النائب العام بدمشق مثلاً، وكذلك كثيرون ممن حددوا أماكن عملهم من السنة الماضية وكانوا قد حصلوا على قروضٍ من المصارف، وتم اقتطاع أقساطها وباتت بحكم المنتهية، ما زال المحاسبون يخصمون الأقساط عليهم، وعند مراجعة الإدارات العامة لهذه المصارف تبين أن الأقساط غير موجودة على الكمبيوتر المركزي منذ عام، لعدم وجود اتصال مع دير الزور، وما زال الاقتطاع مستمراً، بينما العاملون بحاجة لبراءة ذمة لإنجاز معاملاتهم كالتقاعد مثلا، كما أنهم بحاجة لهذه المبالغ لتسد ولو شيئاً بسيطاً من حاجاتهم المعيشية!.
أما العاملون في الوزارات الأخرى فحالهم لا يختلف، وغالبية التبريرات أن هذه الإجراءات بتعليمات من الحكومة، فهل التعليمات أقوى من القانون؟.
صمتٌ مريب
ما زالت بعض القوى التي تدعي المعارضة صامتة عن هذا الحصار الداعشي التكفيري، بل تحاول أن تسوقها وأمثالها بأنه يجب الحوار معها على أنها معتدلة.
الحكومة هي أيضاً تدعي الكثير أمام أبناء محافظة دير الزور المحاصرين الذين لا يصلهم شيء من هذه الإدعاءات، وتقول أنها ترسل المساعدات لهم، وكذلك نقلت إحدى القنوات المحلية أن جسراً جوياً ينقل المواد الإغاثية، والتي وزعت على المواطنين، بينما ما ذكره الأهالي أنه وزعت كميات قليلة على بعض الدوائر واستأثر فيها المتنفذون، وأنها بيعت لهم بسعر 7200 ليرة للكرتونة بينما هي إغاثية، والكميات الكبيرة منها وصلت بقدرة قادر إلى السوق وتباع محتوياتها بحوالي 60 ألفاً.
وهذا ينطبق أيضاً على الإعلام الخارجي الذي يتجاهل حصار أهالي دير الزور، وينطبق أيضا على عدم بذل أي جهدٍ لإيصال المواد الغذائية لهم من قبل المنظمات الإنسانية الدولية، كالصليب والهلال الأحمر، سواء باتفاق وتسوية، كما جرى في بعض المناطق أو غيرها، أو عبر فتح جسر جوي مباشر من الطائرات الحوامة، التي يمكنها الوصول إلى هذه الأحياء التي ما تزال تحت سيطرة الدولة، ويمكن توفير ذلك بمساعدة الأصدقاء والمنظمات الدولية.
والمثير للسخرية أن إحدى الجهات الإغاثية في دير الزور قبضت مبلغ 15 ألف ليرة لنقل جثمان إلى المقبرة، وأن مُقعداً حصل على موافقة للخروج بالطائرة، ألزمته تلك الجهة بتقديم 30 لتراً من البنزين لإيصاله إلى المطار، من جهة أخرى تم نقل متوفى من منزله إلى المسجد، الذي دفن في ساحته، بعربة خضار!؟.
هذه بعض من معاناة أهلنا في دير الزور وريفها ومهجريها، وهي مستمرة منذ خمس سنوات، وإن استمرار هذا الحصار يعتبر جريمة بحق البشرية، وعدم محاولة كسره، أو إيجاد حلّ له، هو أيضا جريمة بحق الانسانية!.

عملية إنسانية روسية
في سورية بدءاً من دير الزور

أعلن رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الفريق سيرغي رودسكوي في مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة 15/1/2016 في موسكو أن جمهورية روسيا الاتحادية اتخذت قراراً بإطلاق عملية إنسانية في الجمهورية العربية السورية، بدءاً من مدينة دير الزور.
وأوضح رودسكوي أن منظمات دولية غير حكومية عدة بدأت بتوريد مساعدات إنسانية إلى سورية، «إلا أن المساعدة تُرسل بالدرجة الأولى الى المناطق الخاضعة للمسلحين، حيث يذهب الجزء الأكبر منها إلى المتطرفين ويستخدم لسد احتياجات العصابات المسلحة. كما سُجلت محاولات لتوصيل السلاح والذخائر وإجلاء المسلحين المصابين تحت ستار قوافل إنسانية».
وأضاف أنه «تم من أجل ذلك اتخذ قرار بدء قوات روسيا الاتحادية عملية إنسانية في الجمهورية العربية السورية» حيث تم بالفعل إرسال طائرة من طراز «إيل-76» يوم الجمعة ذاته، وعلى متنها أول شحنة من المساعدات الإنسانية من وزارة الدفاع الروسية الى مدينة دير الزور، وجرى إنزالها بالمظلات.
وذكر رودسكوي أن «المساعدة الأساسية الآن موجهة إلى مدينة دير الزور التي كانت خاضعة لفترة طويلة لسيطرة إرهابيي داعش».، موضحاً: «اليوم، أوصلت طائرة نقل عسكرية إيل-78 تابعة للقوات الجوية السورية، وعلى متنها منصات مظلية، 22 طناً من المساعدات الإنسانية إلى دير الزور حيث سيتولى السكان المحليون توزيعها».