الغاز.. أزمة متجددة
تنهال جرر الغاز المتفجرة لتزهق روح المواطن الحلبي، بينما يُزهق عمره في سعيه وراء تأمينها لإطعام عياله وتدفئتهم، بعد أن تجمدت وعود مسؤولي حلب برياح أربعينية الشتاء ولم تنفذ، ما يعيد سيناريو الأعوام الماضية، من إهمال وتقاعس وفساد ونهب تكالب على معاناة المواطن، ليصير كحال كل شتاء.
حيث غدت طوابير الغاز مشهداً مألوفاً في حياة المواطن، بل معركته اليومية التي يخوضها للحصول على الأسطوانة الزرقاء، فآليات مسؤولي المدينة التي تنوعت وتعددت، دون أن ينفذ منها شيء، حرمته من مادة المازوت، ما اضطره لاستعمال الغاز لأغراض الطبخ والتدفئة، بعد أن انقطع أمله من الكهرباء أيضاً، ما حمل أزمة الغاز أثقالاً ومشاكل، تضع المواطن في دوامة لا تنتهي.
فمدينة حلب تصل إليها كميه من المادة تعتبر غير كافية مقارنة بالاحتياجات، وهي إما أن تختفي تحت عباءة الظلام وتذهب إلى جيوب الفاسدين، أو تضيع بين يدي أفراد من اللجان، تحت ضغط السلاح أمام أعين المواطنين، فتسلب منهم، وكأنما تسلب أرواحهم، ما سبب نقصاً حاداً في عدد الاسطوانات الموزعة، أما قوائم مخاتير الأحياء فحدث دون حرج، حيث تحكمت فيها المحسوبيات والوساطات، أما عند مافيات السوق السوداء، فقد تجاوز سعر الاسطوانة الـ 5000 ل.س.
إبرة بنج!؟
حال لم يجد أمامها الحلبيون سوى التهكم بقولهم: المسؤولون يسرقونها والإرهابيون يمطروننا بها، كما أن تلك الحال تنطوي على كثير من الغضب، على آليات المسؤولين عموماً عن زيادة أزمات المدينة، وليس حلها، حيث توفي رجل مسن بأزمة قلبيه، منذ عدة أيام، بعد وقوفه لست ساعات متواصلة، في البرد وتحت الأمطار، في انتظار سيارة الغاز الموعودة.
حالة الهياج والغضب هذه، بسبب تفاقم أزمات المحروقات، دفعت «الجهات المختصة» للكشف عن حالات فساد لمتلاعبين في فرع شركة الغاز بحلب، بعد أن ثبت تورطهم باختلاسات مالية بعشرات الملايين، من مسؤولين وموظفين سابقين، كانت كمحاولة للتهدئة لا أكثر، فمن المعلوم أن أزمات المدينة، منذ أول رصاصة أُطلقت بها، تفاقمت بفعل الفساد أولاً وأخيراً، فلماذا يُعلن عن إلقاء القبض عليهم إثر الأزمات فقط!، ولماذا للآن لم يتم الكشف عن الفاسدين الكبار، بينما يساق الصغار منهم فقط، لتنفيس ضغط وغضب الشارع الحلبي، الذي بات يعرفهم بالأسماء.
آليات متأخرة
لتعود محافظة حلب وتحدد آلية جديدة لتوزيع الأسطوانات، لتوفير المادة من خلال تحديد مركز ثابت في كل حي للتوزيع اليومي، إضافة لافتتاح 16 مركزاً جديداً في مؤسسات القطاع العام، لتخفيف الضغط عن مراكز الأحياء، وفصل مراكز العسكريين عن المواطنين، بمن فيهم عناصر اللجان، فتأتي هذه الآليات متأخرة ومفرغة من أهدافها، بعد عامين من الآليات التي كرست النهب ولم تحله، وفرّخ فاسدوه حتى تغولوا في مفاصل جهاز الدولة وتحكموا به، فصار الارتباط بينهما عضوياً، وهو ما يوجب العمل بإلحاح باتجاه ملاحقة الفساد الكبير، لتغدو هذه الآليات فاعلة على الأرض، في محاسبة كل من سولت له نفسه المتاجرة بدماء المواطن السوري ولقمة عيشة.