!التنمية الاجتماعية والخدمات العامة.. وجهان لبؤس واحد
أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

!التنمية الاجتماعية والخدمات العامة.. وجهان لبؤس واحد

يقصد بمفهوم التنمية عادةً تلك العملية التي تؤسس لنظم اقتصادية وسياسية متماسكة، وقد برز هذا المفهوم في تعدد أبعاده ومستوياته وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاجوالتقدم، وظهر منذ بداية علم الاقتصاد، حيث استخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدليضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات، عن طريق الترشيد المستمرلاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال.

وقد تطور مفهوم التنمية لاحقاً ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية التي تنعكس على تنمية المجتمع من الإجراءات الشاملة، وتستخدم لرفع مستوى المعيشة، وتركز الآليات التنموية اهتمامها أساساً علىالمناطق الريفية من خلال تحديد مشاكل المجتمع واحتياجاته الأساسية، والتكامل بين الخطط الفردية والجماعية لمقابلة احتياجاتهم، واستخدام البشر لهذه القدرات في الإنتاج، وإذا أسقطنا هذا المفهوم علىالواقع السوري سنرى أغلب السوريين فقراء وفقاً لأدبيات التنمية التي تستند في قياس الفقر إلى قضايا مهمة منها سوء التغذية أو غياب الرعاية الصحية أو الأمية، باعتبار أي منها تمثل إحدى النتائجالمباشرة لانتشار الفقر، وبالرجوع إلى الواقع نرى أن القطاعات الخدمية في سورية باتت متدهورة نتيجة تفشي الفساد في عروقها وسوء التخطيط والتنظيم.

 

التعليم في سورية

مع تدهور دخل الفرد في سورية وعدم اعتماد آليات تناسب مجتمعنا في عملية النمو، انعكست النتائج السلبية على الفرد وتطوره، وهذا واحد من الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى تراجع القطاعالتعليمي مثلاً، ومن أبرز الأسباب التي أثرت على التعليم بشكل مباشر انتشار الفساد في هذا القطاع، وكان لعدم إتاحة الفرص أمام الشباب المتعلم وتهميشه في مجتمعه ونبذه، دور كبير بدفع كل شابتقريباً للتفكير في السفر والهجرة لتحصيل فرصة لم تعط لهم في بلادهم، وهذا انعكس على مجالات الحياة المختلفة وخصوصاً على الأهل، وبالتالي فإن تدهور التعليم هو شكل من أشكال تدنيس قيممجتمع بأكمله، ابتداءً من المدرس الباحث عن وظيفة تقيه من البطالة بعد أن كان هدفه هو إخراج جيل متعلم قادر على بناء المجتمع، وليس انتهاءً بالمناهج التي لا يمكن إيصالها للطلاب إلا بطريقةالبصم التي أدت إلى وجود الكثير من الخريجين الجامعيين الذين لا يذكرون أو يعون شيئاً من الذي درسوه على مقاعد الجامعة، ناهيك عن المناهج الجامعية شديدة التخلف في معظم الأحيان، وعنانتشار الرشى في الجامعات (على المواد المستعصية)، أما من ناحية الميزانية التي تنفق على قطاع التعليم في سورية، فهي ضئيلة جداً لا تتجاوز %7 حتى عام 2000 منها %3 للتعليم العالي.

 

الخدمات اليومية

تشهد جودة الخدمات الحياتية اليومية تراجعاً شديداً منذ شهور، وخاصةً بعدما دخلت الأزمة السورية شهرها الحادي عشر، وهي وإن كانت منفلتة بالأصل وخصوصاً خدمات التموين فقد وصلت إلىالقاع مؤخراً بعد صعود الأسعار نتيجة الاحتكار تارة، والقوانين التي تسنها وزارة الاقتصاد حرباً على المواطنين تارات أخرى، وخصوصاً بعد إيقاف الاستيراد وتدهور الليرة التي هي «في أحسن حالولم تضرر بعد» حسب بعض التصريحات الرسمية، والملاحظ في الواقع أنه لم يبق من الليرة إلا اسمها، وصارت تحرم الناس من السلع الرئيسية التي يحتاجها كل منزل، ابتداءً من الغذاء وليس انتهاءًبالمحروقات التي لم تحل أحجيتها بعد، ومازال وزيرها يبحث عن مدخل ليعلن ارتفاع أسعار المازوت بعد رفع سعر الغاز والبنزين.

 

الكهرباء

كاد المواطن السوري ينسى وجود شيء اسمه كهرباء، فهو يعايش انقطاع التيار الكهربائي مؤخراً لما يزيد عن 7 ساعات في اليوم، ولاسيما في الأوقات التي يحتاج فيها لأي مصدر من الطاقة، ولا تقلمضار انقطاع التيار الكهربائي عن مضار ارتفاع الأسعار، وأولى هذه المضار هي زوال إمكانية ضخ المياه لبعض البيوت في الأرياف، كما أن لها الكثير من المضار على الطلبة في تحصيلهم الدراسيسواء في المنزل أو في المدرسة، وتزداد مضار انقطاع التيار الكهربائي طبعاً في حال عدم وجود الوقود والغاز، والمثير للجدل عند دفع الفواتير أن قيمة الفاتورة مازالت مرتفعة وكأن الأموروالاستهلاك على أحسن حال، واستخدامها كأنه في ذروة الاستهلاك.

 

الرعاية الاجتماعية والصحة

انقلب وضع المستشفيات والمراكز الصحية من حالة مزرية إلى حالة أكثر سوءاً، فالأطباء ليس لهم من المشافي إلا راتبهم الذي بات عليهم تحصيله بعدما تراجع عملهم في عياداتهم، وأغلب الأدويةباتت غير متوفرة، وإذا توفرت فلا تلبي حاجة طالبيها، فالأدوية وتصنيعها باتت عبئاً على أصحاب شركات تصنع الأدوية التي تواجهها الكثير من المشاكل، وخصوصاً في التسعير بعد أن أصبح سعرالتكلفة يفوق أحياناً سعر البيع، ناهيك عن أن تكاليف الإنتاج مرتبطة بأسعار الدولار، وهو ما انعكس في النهاية على المواطن بالدرجة الأولى، وعلى السوق بدرجات متفاوتة، عدا عن غلاء أسعارالأدوية في الأصل قبل الأزمة.