في سلحب... فضيحة تفقأ العيون
عانت مدينة سلحب، الواقعة في الريف الغربي لمحافظة حماه، ما تعانيه من آثار الأزمة الكارثية التي تعصف بأرجاء وطننا كافةً، حيث يبلغ عدد سكان المدينة مع القرى التابعة لها ما يقارب المائة ألف نسمة، معظمهم يعملون بالزراعة أو موظفون لدى دوائر الدولة، حالهم كحال بقية الشعب السوري، أي أنهم من ذوي الدخل المحدود، الذي لم يعد يكفي لسد الاحتياجات الضرورية.
تشهد سلحب منذ اندلاع الأزمة في العام 2011 تراجعاً بالحالة الاقتصادية لأهلها، خاصةً مع تراجع مستوى الزراعة، وبقاء الراتب على حاله دون أية زيادات تذكر، والارتفاع الخيالي للأسعار، وكذلك الحالة الأمنية فهي أيضاً في تدهور وتراجع، حيث عانت المدينة عبر سنوات الأزمة من تساقط القذائف الصاروخية على أحيائها كافةً، مخلفةً أضراراً مادية وبشرية كبيرة.
مأساة ولامبالاة
لم يقف الواقع المأساوي لأهالي سلحب، والمناطق التابعة لها، عند حدود الحرب والأزمة العامة وتداعياتها عليهم، حيث يعيش الأن أهلنا فيها، وفي حي الصفاء وقريتي أبو قبيس وعين الجرن، واقعاً مزرياً، يزيد من عمق جراحهم وآلامهم، فمنذ عدة أيام وبسبب سوء تنفيذ شبكة الصرف الصحي، وخاصةً (غرف التفتيش)، والاهمال المتراكم لسنوات طويلة مضت، وزيادة نسبة الرشوحات من شبكة الصرف الصحي، وقدم أنبوب مياه الشرب القادم من أبو قبيس، الذي يعود إنشاؤه إلى ستينيات القرن الماضي، وتلفت أجزاء منه نتيجة عدم الصيانة والتعديات الجارية عليه، من قبل البعض في وادي أبو قبيس، وعدم المراقبة والكشف الدوري عليه، من قبل مؤسسة مياه حماه والجهات المختصة وسوء التعقيم، كل هذه العوامل أدت مجتمعة الى تلوث مياه الشرب الأتية من نبع أبو قبيس الى سلحب وحي الصفاء التابع لها، وقريتي أبو قبيس وعين الجرن، وحصول كارثة ألمت بمدينة سلحب والقرى المحيطة، حيث وصل عدد المصابين بالتسمم والإقياء والإسهال، والإصابات الجرثومية الأخرى، إلى أعداد كبيرة، تم إسعاف أغلبيتهم الساحقة إلى العيادات الخاصة، على الرغم من الحالة المادية السيئة لهؤلاء، لأن سلحب تفتقر إلى وجود مشفى فيها.
وبعد مناشدات من الأهالي، وبعض أطباء الصحة المدرسية، والمستوصف الصحي في سلحب، ولمدة أربعة أيام، قامت مؤسسة المياه في حماه ومديرية صحة حماه بإتحافنا ببعض الحركات الاستعراضية، التي لاجدوى ولاطائل منها، رفعاً للعتب وللمسؤولية عن كاهلها، وتم الإعلان بناء على تعليمات مديرية مياه حماه، على أن مياه الشرب غير ملوثة، وأن العيب في خزانات الأهالي، والمطلوب إفراغ تلك الخزانات وتنظيفها وإعادة استخدامها، وذلك استناداً الى العينات التي تم تحليلها من قبلهم، ليزيد هذا الإجراء الخاطئ والفاسد وغير المسؤول من المشكلة تعقيداً، ويضاعف من عدد الإصابات بين الأهالي.
عقلية فاسدة وتهرب
هذه المأساة التي ألمت بأهلنا في سلحب وقراها، وكانوا ضحيتها، لم تعد تكفي عبارة «برسم الجهات المختصة للمعالجة» كما جرت العادة من قبل المسؤولين.
بل بات من الضروري محاسبة تلك العقلية الفاسدة، التي تتحكم بمصائر البشر، ضاربة عرض الحائط بمصلحة المواطنين، حتى على مستوى صحتهم ومياه الشرب، التي باتت ملوثة إهمالاً وتقصيراً وفساداً، مع محاولات لتحميل هذا المواطن تبعات هذا التقصير والفساد، للتهرب من المسؤولية والمسائلة.