مجانين عامودا.. والتأملات
المظاهرات تملأ شوارع معظم المدن، بما فيها عامودا، ويوجد فيها الكثيرون ممن يطالبون بإسقاط النظام، ويصرون على رفض الحوار معه، ويهزؤون من الإصلاحات التي يقوم بها.. بل ويرفعون علناً اليافطات المطالبة بالتدخل الخارجي..
وفي المقلب الآخر، هناك من يرى أن الحل الأمني هو الحل الوحيد، فلا يرد على الفريق الأول إلا بالعنف وبكل صنوف الأسلحة..
أما نحن – المجانين- فنطالب بتغيير النظام تغييراً جذرياً، وندعو إلى الحوار الوطني، ونرفض التدخل الخارجي أياً كان نوعه، ونطالب بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الشاملة.. وهذا بالطبع نكتبه على شكل شعارات في المظاهرات التي نشارك بها.
وبهذه المناسبة فقد علق أحد المجانين على ما نحن عليه قائلاً إننا لسنا مع الذين آمنوا ولا مع الذين كفروا!! وبالتالي إذا تغير النظام فهناك مئة اتهام سيوجه لنا، وإذا لم يتغير، هناك مئة اتهام سيوجه لنا أيضاً!!
*****
أثناء المظاهرة الأخيرة في عامودا، كانت معظم القوى السياسية حاضرة، ومن ضمنها أحد الأحزاب الكردية المعروفة وهو حزب (b. y. d).. وقد حدث الحوار التالي بيني وبين أحد الرفاق من المنضوين في صفوفه، علماً أن شعارهم كان: «كفى قتلاً للشعب السوري»:
- ألا تلاحظ يا صديقي أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص يصورون المظاهرات؟
قال:
نعم..
ألا تلاحظ أن بينهم، وبين الموجودين عموماً عدد من الأشخاص غير المرغوب فيهم، كونهم يملكون تاريخاً أسود، ومعظمهم يسيرون في المظاهرات هاتفين بشعارات غريبة؟
نعم..
أما كان من الواجب أن يمنع هؤلاء من التصوير والتسجيل وهذا أضعف الإيمان؟
أدرك الرجل ما أقصده بعد تأمل، ثم قال:
ربما تاب هؤلاء.. أو ربما تغيروا فكرياً وسلوكياً في هذه الفترة..
ربما..
قلت آخر كلمة ثم استدركت، وسألت الرجل إذا كان قد سمع حكاية المجنون الشهير «سمو» عندما ادعى بأنه شفي من جنونه.. فضحك الرجل وسأل: متى ادعى ذلك؟ فقلت له:
ذات مرة، زار سمو شقيقه في الدرباسية، فاستقبلته زوجته استقبالا حاراً رغم أن شقيقه لم يكن موجوداً، وسألته عن أحواله، فقال: الحمد لله، أنا بألف خير، وقد برئت من جنوني.. سرت المرأة المضيفة من حديث سِلفها «سمو»، وطبخت له برغلا بالسمن العربي ووضعت عليه الكثير من لحم الدجاج المقلي وقدمته له على العشاء، فتناول سمو طعامه وشرب كوبين من الشاي، وأوى إلى الفراش الذي أعدته له زوجة أخيه الطيبة.. وقبل طلوع الفجر استفاق سمو وقد حصره الغائط، ولم يستدرك أمره بسرعة، فتغوط في الفراش وبقي متدثراً باللحاف. وبعد فتره أدرك سوء فعلته، فخرج من المنزل خلسة متجهاً إلى عامودا، وفي الصباح، عندما استيقظت ربة الدار، ذهبت مباشرة لتطمئن على أحوال ضيفها، فوجدت الفراش خاوياً، فبدأت تتحدث مع نفسها: ليته تناول فطورا ثم غادر.. لكنها عندما رفعت اللحاف لتطويه كادت أن تصعق بعد أن شاهدت المنظر وشمت الرائحة...
بعد تخطيها لهول المفاجأة خاطبت نفسها مجدداً: فعلاً أن سمو شفي من جنونه.. ولا مجنون غيري كوني صدقته!!