سورية.. الكارثة الإنسانية المستمرة
استمرت معاناة المواطن السوري والكارثة الإنسانية التي تحيق به ويعيشها، مع استمرار المواجهات العسكرية في البلاد، بظل استمرار البعض في التمسك بالخيار العسكري وتعنتهم أمام الخيارات السلمية المطروحة والحل السياسي الشامل، واستمرار تدمير البنى التحتية، وتدني مستويات الأمان، وارتفاع مستويات العنف، وعدم التمكن من تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة والكافية للمواطنين المتضررين، ومع تدني مستويات المعيشة ووسائل كسب القوت اليومي، وبظل تدني مستويات الخدمات العامة، وبظل استمرار الحكومة على نهجها الليبرالي اقتصادياً واجتماعياً.
لجوء ونزوح
وفي آخر بيانات صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن واحداً من بين كل شخصين عبروا البحر المتوسط هذا العام كان من السوريين الفارين من الحرب وأهوالها، حيث أجبر الاضطهاد والصراع والفقر مليون شخص من الفرار إلى أوربا في عام 2015 وفقاً لتقديرات المفوضية والمنظمة الدولية للهجرة، أي أن هناك نصف مليون سوري هاجر إلى أوربا خلال عام 2015 فقط.
وفي تقدير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن إجمالي عدد المتضررين من النزاع الدائر في سورية قد بلغ 10.8 مليون سوري، من بينهم 6.5 مليون نازح داخلياً.
وتشير التقديرات إلى أن عدد اللاجئين السوريين الإجمالي قد بلغ بحدود 4 مليون سوري، منهم 1.7 مليون مسجل لدى المخيمات المقامة في كل من الأردن ولبنان، وفي تركيا يوجد بحدود 1.5 مليون لاجئ، والبقية الباقية موزعين على دول أوربا، بالإضافة إلى البعض الموجود في مصر وغيرها من الدول، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء، وخاصة الكتلة الكبيرة منهم المتواجدين في كل من الأردن ولبنان.
مفقودين وضحايا ومحاصرين
وفي تصريح لوزارة العدل في مطلع الشهر الثالث من عام 2015، بأنه قد بلغ عدد الطلبات المقدمة من الأهالي لمعرفة ذويهم المفقودين نحو 30 ألف طلب منذ مطلع العام، أي أنه خلال شهرين فقط كان رقم المفقودين المبلغ عنهم هو ذاك المعلن عنه من قبل الوزارة، ولنا أن نقدر بأن العدد الإجمالي للمفقودين قد تجاوز هذا الرقم بأضعاف مضاعفة خلال فترة الحرب والأزمة وتداعياتها.
وعن عدد الضحايا الإجمالي خلال فترة الأزمة تشير بعض التقارير إلى وجود ما يقارب 1.5 مليون سوري بين شهيد وقتيل وجريح، حسب تبويبات الجهات المعلنة عن كل منها وتوجهاتها المتباينة، حيث لا يوجد أي إحصاء رسمي بذلك يمكن الاعتماد عليه.
بالإضافة إلى العدد الكبير من المواطنين السوريين الذين يعيشون تحت وطأة الحصار المفروض عليهم في بعض المناطق والمدن هنا وهناك، على امتداد ساحة الصراع الدائر، بظل الاستمرار بعرقلة مساعي الهدن والتسويات بها، من هذه الجهة أو تلك.
النساء والأطفال أكبر المتضررين
وقد نزح الملايين من السوريين داخلياً تاركين خلفهم موجوداتهم وممتلكاتهم، معتمدين بالبدائل على المجتمعات المضيفة على طول الخارطة السورية في المناطق والمدن الأكثر أمناً، وعلى المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، علماً بأن غالبية الأشخاص ممن بحاجة للمساعدة بهذا المجال هم من النساء والأطفال، بالإضافة لذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بإعاقات دائمة بنتيجة الحرب الدائرة، ما يعني المزيد من الضغوط المفروضة عليهم عبر تعدد أشكال الاستغلال لهؤلاء، من قبل البعض هنا وهناك، وخاصة للنساء والأطفال.
ومع تدهور الواقع المعاشي والنقص الحاد بتأمين المساعدات اللازمة عبر الجهات الرسمية أو الدولية أو الأهلية المحلية، تزداد الصعوبات والمعاناة على السوريين المتضررين من الأزمة بشكل مباشر، كما غيرهم من المواطنين الذين يكابدون الظروف المعيشية الخانقة نفسها.
حدود الكارثة الإنسانية الشاملة
إن رفض الحل السلمي الشامل من قبل بعض المتعنتين والمستفيدين، على مختلف اصطفافاتهم ومبرراتهم وتبعياتهم، واستمرار الحرب ومفاعيلها وآثارها، يعني المزيد من المعاناة للشعب السوري عموماً، كما يعني المزيد من اللجوء والنزوح والمصابين والمفقودين، أي أن المأساة السورية وقد بلغت حدود الكارثة الإنسانية الشاملة، قد تصل إلى نقطة اللاعودة والدولة الفاشلة بكل المقاييس، كما يعني بالمقابل أن كل من يعرقل تلك الحلول السياسية بات بالصف المعادي تماماً، ليس للسوريين فقط، بل للوطن السوري الجامع الموحد، وهو ما لن يكون بإرادة وصمود السوريين عموماً رغم كل المعاناة والمآسي.