أنا لا أحب الحكومة!
أتابع كل ثلاثاء الاجتماع الأسبوعي لرئاسة مجلس الوزراء، وفي كل مرة أقرأ على صفحتها ذاك الموجز عن وقائع الجلسة والقضايا المطروحة على جدول أعمالها والقرارات التي تعتمدها وتوجه بها، وأرى نفسي كمواطن وعامل موجوداً بكل منها، كما أجد مصلحة الوطن مبوبة بكل عنوان من عناوين الجلسات، وكلها منسقة بخط واضح وجميل لا لبس فيه.
اعتباراً من الواقع المعيشي إلى أزمة الكهرباء مروراً باحتياجات النهوض الاقتصادي على المستوى الصناعي والزراعي والسياحي والخدمي، وصولاً إلى النقل ومعاناة المزارعين وهموم الطبقة العاملة والواقع الخدمي على مستوى كل محافظة، وليس آخراً ما يتم إقراره من مشاريع قوانين ومراسيم، وغيرها الكثير مما يُطرح ويتم تدبيج العبارات التي تدعو للتفاؤل على أن الحكومة ماضية بمعالجة همومي وهموم غيري من المواطنين العاملين والمزارعين والحرفيين، وبوصلتها في ذلك مصلحة الوطن، التي تتم عبر تأمين واقع أفضل لي كمواطن ومنتج.
وبعد كل قراءة لذاك الموجز والتوجيهات، أفاجأ كغيري من المواطنين بأن ما تم العمل به وتنفيذه على أرض الواقع مغاير تماماً لكل العبارات الإيجابية المدبجة، فلم تتم معالجة معاناتي وأزماتي الخانقة، كما أن واقعي المعاشي في ترد مستمر ومن سيئ لأسوأ، والواقع الخدمي كذلك الأمر، كما ارتبط لاحقاً بذهني عبارات التعوذ من كل جلسة من تلك الجلسات، حيث تزداد معاناتي بعد كل منها.
أرقني الأمر وأزعجني وبت أبحث عن مسببات ومبررات ومسوغات لتلك الازدواجية والفصام بين المكتوب والمنفذ، حيث بت أغوص بالعمق بالمعاني والمدلولات، فوجدت أن الحكومة ينقصها حقيبة هي حقيبة همومي كمواطن، فحقائب التجار موجودة، وحقائب السماسرة موجودة، وحقائب المستفيدين والمتنفذين موجودة، وحقائب الفاسدين موجودة، حتى حقائب تجار الأزمة الحاليين باتت موجودة، وحقيبة همي ومعاناتي هي الوحيدة المغيبة.
كما وجدت أن حقيبة معيشتي مفتوحة كي يغرف منها كل أصحاب الحقائب الأخرى السابقين ما يشتهون، بمباركة من الحكومة في كل جلسة من جلساتها.
ولعلي لا أبالغ حيث توصلت لاستنتاج أن الحكومة تعمل بدوامين، فحكومة الدوام الأول تعرف كيف تصيغ عباراتها وتدبجها، واضعة السم بالدسم عبر كل قرار أو توجيه، وحكومة الدوام الثاني التي تكشر عن أنيابها، فاتحة الحقائب الممثَلة لديها، غارفة من حقيبة معيشتي حسب القوانين والتوجيهات والأنظمة النافذة، لتكبر حقيبة همومي يوماً بعد آخر، حتى بت عاجزاً عن حملها، فكيف بي أن أمضي بها إلى مقر الحكومة لأفرض وجودها كغيرها من الحقائب، التي تُملأ وتفرَغ ويعاد تدويرها بين الداخل والخارج، تهريباً أو على شكل أرباح مشروعة وبالقطع الأجنبي أيضاً.
ومثال حي على ذلك، فقد تم إقرار قانون الإيجارات مؤخراً، والذي منح ذوي الشهداء بمادة من مواده امتيازاً بعدم الإخلاء، عنوان عريض وكأنه إيجابي بصياغته ومدلوله، ولكنه سلبي في حيز التطبيق والتنفيذ، حيث بدأنا نشهد تمنُعاً من المالكين في تأجير ذوي الشهداء، بل تمنُعاً من التأجير بالعموم، وبالتالي فإن بعض الدسم الذي تم الترويج أنه موجود عبر القانون المذكور لم يكن إلا سماً سيتجرعه كل المحتاجين للسكن بعد صدوره الآن، ومنهم أنا وأمثالي، وخاصة ذوي الشهداء، وبالنتيجة سيكون مالكوا العقارات أكثر تحكماً بسوق الإيجارات من ذي قبل، وستعم الفائدة جيوبهم أكثر وأكثر.
وهذا المثال غيض من فيض عن متلازمة الحكومة ذات الدوامين، بين عناوين المصلحة العامة والخاصة ورقياً من جانب، ومصلحة الحقائب الممثلة لديها من جانب آخر، والتي تعمل عملها بإفراغ حقيبتي المعيشية تباعاً حتى فرغت، كما وتزيد من حجم حقيبة همومي ومعاناتي.
أما أنا؛ فمواطن من شريحة العمال المسحوقين، محدودي وثابتي الأجر المتآكل، أنا النازح في وطني، المتنقل من مسكن لآخر حسب مزاج أصحاب المساكن ومقدرتي على مجاراة مطالبهم، أنا من يضيع نصف عمره على الطرقات وأمام الحواجز، أنا الملتزم بتسديد التزاماتي من ضرائب وفواتير، وأنا من يتكبد غلاء الأسعار وارتفاع سعر الصرف، وأنا من يزود الخزينة بما لديها، كما أني من أُنهب وأُسرق يومياً وعلى مرأى ومسمع ومباركة الحكومة وسسياساتها (المعولمة والمعقلنة والمنفتحة والمحررة والمرشدة و...).
إعذروا إطالتي ولا تعتبوا؛ فأنا بالمختصر لا أحب الحكومة، فماذا عنكم؟.