بند استثماري متواضع وإلزام بالمليارات
ألزمت رئاسة مجلس الوزراء الجهات الحكومية كافة الاعتماد على إنتاج الطاقة الكهربائية من اللواقط الشمسية، عبر وضع خلايا كهرضوئية على أسطح منشآتها، لإنتاج حاجتها الذاتية وبيع الفائض إلى وزارة الكهرباء بأسعار تشجيعية، وضرورة أن تتم العقود الإنشائية مع شركات الإنشاءات العامة.
كان ذلك في الاجتماع الأسبوعي لرئاسة مجلس الوزراء، المنعقد في مطلع شهر تشرين الثاني، استناداً إلى اجتماع لجنة رسم السياسات الاقتصادية بخصوص الاهتمام والتركيز على الطاقات المتجددة والاستفادة منها.
يشار إلى أن اللجنة (لجنة رسم السياسات الاقتصادية والتنسيق بين الوزارات وفق الأولويات المتاحة)، كانت قد شكلت في مطلع النصف الثاني من هذا العام، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزارة المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي وحاكم المصرف المركزي إضافة للوزارة المختصة.
الكهرباء سباقة في التنفيذ وتشجع
مع التنويه إلى أن وزارة الكهرباء تسعى إلى تشجيع الفعاليات في القطاع الحكومي وكبار مشتركي الطاقة الكهربائية من الصناعيين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية الأخرى في القطاع الخاص، لاستخدام الطاقات المتجددة من أجل التخفيف من الأعباء المادية، وتعويض النقص الحاصل بالطاقة الكهربائية، جراء التقنين بسبب نقص الوقود.
وفي هذا السياق نشير إلى أنه سبق وأعلن مدير عام مؤسسة التوليد في وزارة الكهرباء، عبر وسائل إعلامية مطلع أيلول من العام الحالي، «أن الوزارة كانت قد أعلنت عن مشروع تنفيذ لواقط شمسية باستطاعة 1000 ميغا واط ينفذ على مرحلتين، الأولى تشكل 10% من المشروع وهو ما يعادل تأمين 100 ميغا واط، حيث اعتبر أن هذا الجزء من المشروع يمثل مفتاح المشروع وعلى الجهة المنفذة تأمين هذه الكمية بشكل جاهز لجهة التصميم والتصنيع والتوريد والنقل والتأمين والاختبار والتركيب والتشغيل والوضع في الخدمة خلال مدة سنة من تاريخ أمر المباشرة بالمشروع، بينما يتم العمل على المرحلة الثانية بالتوازي مع المرحلة الأولى من المشروع، ومطلوب من الجهة المنفذة إنشاء معمل لتصنيع اللواقط الشمسية وتكون الوزارة ملزمة باستجرار 90% من الكميات المولدة ما يعادل 900 ميغا واط، مشيراً إلى أن الإعلان يلزم الجهة المنفذة بتصنيع هذه الكمية على أراضي الجمهورية العربية السورية، وذلك خلال مدة /9/ سنوات بحيث يتم توريد100 ميغا سنوياً، ويتم التركيب والتشغيل والوضع في الخدمة من قبل المؤسسة».
خمس منظومات
كهرضوئية في دمشق
كما أوضح معاون مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة، عبر وسائل إعلامية، «أن وزارة الكهرباء تعمل على تنفيذ خمس منظومات كهرضوئية على أسطح محطات التحويل في محافظة دمشق، وأنه تم إنجاز المرحلة الأولى عبر إنشاء منظومة كهروضوئية على سطح محطة تحويل مشروع دمر والتي تتألف من /114/ لاقطاً».
«والعمل جار لتركيب المنظومات الأربع الباقية باستطاعات مختلفة على أسطح محطات تحويل أخرى، حيث ستكون المحطة الثانية في مشفى ابن النفيس، والثالثة على أسطح محطة تحويل الزاهرة، مبيناً أن هذا المشروع الريادي سينتج نحو /40/ ميغا واط ساعي سنوياً وسيتم ضخها بالشبكة الكهربائية».
إلزام حكومي وتكاليف
ولعل أول ما يتبادر للذهن من الإلزام الحكومي أعلاه، هو من أين سيتم تغطية تكاليف الإنفاق على تلك التجهيزات والمنشآت، حيث أن التكاليف التقديرية الإجمالية لهذا المشروع الوطني تعتبر كبيرة نسبياً، وذلك مرتبط بالكفاءات المختلفة والمتعددة لألواح الطاقة الشمسية المتاحة بالأسواق، كما أن تلك التكاليف والنفقات تعتبر من الإنفاق الاستثماري في مشاريع الموازنات الحكومية، التي سبق وأن تم اعتمادها لكل الجهات العامة، وقد صدرت موازنة 2016 باعتماد استثماري عام متواضع، ولم يتم لحظ هذا المشروع بمتنها للجهات الحكومية.
حيث إن التكلفة التقريبية العامة لمثل هذا المشروع على المستوى الوطني للجهات الحكومية، يعادل المليارات من الليرات السورية، متضمناً تكاليف اللواقط الشمسية والبطاريات والانفرترات والإنشاءات، إضافة إلى تكاليف الدراسات الفنية المرتبطة بالاحتياجات اللازمة والمطلوبة لكل منشأة حكومية.
فكرة عصرية ومستفيدون
ومع أهمية الفكرة والطرح، كمشروع وطني عام، وانسجامها مع تطورات ومتطلبات العصر، والضرورات الآنية الملحة، واهتمام الحكومة بشركات الإنشاءات العامة التي منحتها ميزة تفضيلية بهذا المجال، وفقاً لمضمون الإلزام، والتشجيع ببيع الفائض من الطاقة المنتجة إلى وزارة الكهرباء بأسعار تشجيعية، يبقى طبعاً السؤال الأهم؛ من هو صاحب، أو أصحاب، الحظوة من المستوردين من القطاع الخاص الذين سيزودون الجهات الحكومية بتلك اللواقط الشمسية؟، باعتبار أن تكاليف ومواصفات الصناعة المحلية لهذه اللواقط وملحقاتها غير منافسة مع المستورد منها، والتي تقدر قيمتها بمليارات الليرات السورية، حيث لم تذكر الحكومة أي شيء بشأنها في معرض إلزامها الجهات الحكومية بمضمونه، وكيف ستتم عملية وضع الدراسات الفنية من الجهات الحكومية؟، بما يتوافق مع المواصفات التي سيوفرها المستورد، أو المستوردون، بظل المعرفة المسبقة بآلية العمل بالعروض الفنية وشروط التقدم للمناقصات، وغيرها من الإجراءات المتبعة وفقاً للأنظمة والقوانين، مع ما يرافقها من طغيان لحالات الفساد المغلفة بمثل هذه الإجراءات.
وما هو مصير معمل تصنيع اللواقط الشمسية؟، التي ألزمت وزارة الكهرباء عبر إعلانها الجهة المنفذة بإنشائه، حسب ما ورد بالتصريح الإعلامي أعلاه.
مليارات لجيوب البعض
بالمختصر المفيد، وبحال تم التعديل على بند الإنفاق الاستثماري في موازنتها للعام القادم، تكون الحكومة قد قامت عبر إلزامها العتيد آنفاً، بضخ مليارات من الليرات السورية في جيوب مستورد ما أو مجموعة المستوردين من القطاع الخاص، من الخزينة العامة، أي من جيوب الفقراء، إضافة إلى ملايين غيرها، ستذهب تباعاً، إلى جيوب بعض المتنفذين والفاسدين هنا وهناك.
فإلى متى ستستمر الحكومة بتغليف السم بالدسم عبر توجهاتها؟، وإلى متى ستستمر بالضخ إلى جيوب الأغنياء من جيوب الفقراء؟، بحال تم تنفيذ مضمون إلزامها.
وبحال عدم التعديل على بند الإنفاق الاستثماري، فإلى متى ستستمر بذر الرماد بالعيون عبر رسم الخطط وعقد الوعود التي تعلم مسبقاً عجزها عن الوفاء والالتزام بها؟، أم أن الموضوع فقط لنعلم بأن الحكومة العتيدة ليست بعيدة عن الضرورات والمشاريع الوطنية الهامة، ولو بالكلام، دون القدرة على التنفيذ؟.
أخيراً
إن الاهتمام بالطاقات المتجددة، وتعميم حسن استخدامها، وتوطين صناعتها، وخاصة الطاقة الشمسية، من المشاريع الوطنية الهامة، آنياً ومستقبلاً، وبالتالي من المفترض أن يكون هذا المشروع الوطني متكاملاً بعناصره كافة، العلمية والفنية والتقنية والتصنيعية، خاصة ونحن نعلم أن بعض المنشآت الصناعية، العامة والخاصة، بدأت بهذا الميدان، دراسةً وتصنيعاً، اعتباراً من اللواقط الشمسية، مروراً بالانفرترات، وصولاً إلى البطاريات، مع كافة ملحقات هذه الصناعة، ولكن تبقى المشكلة في توطين هذه الصناعة المستقبلية، عبر تخفيض التكاليف ورفع الكفاءة، من أجل توسيع وتعميم استخدامها، وهو ما يجب الاهتمام به والتركيز عليه، عبر خطط دعم ملموسة لها، باعتبارها من الصناعات المستقبلية القابلة للتطور بما يتوافق مع التطورات العلمية والتقنية، وهي متعددة الأهداف والاستخدامات، حكومي ومنزلي وإنارة الشوارع والطرقات، وتسيير المركبات، وغيرها مما يمكن أن يكشفه العلم والتطبيقات العملية مستقبلاً، آخذين بعين الاعتبار عدم افتقارنا للكفاءات بهذه الميادين.