تذاكر الطيران سمسرة وسوق سوداء.. و(العام) أكبر المتضررين

تذاكر الطيران سمسرة وسوق سوداء.. و(العام) أكبر المتضررين

«سماسرة» يعملون كأفراد، ومكاتب مرخصة تعمل باسم السياحة والسفر، فتحت سوقاً سوداء لبيع تذاكر رحلات الطيران داخل سورية أو خارجها، لايهم، المهم التلاعب بموعد الرحلة مقابل مادي معين، نتيجة الضغط الحاصل على مشغلي رحلات الطيران إثر موجة الهجرة التي تشهدها البلاد.

«خ.س» 40 عاماً، يعمل طبيباً، ولديه 3 أطفال، عقد العزم على الهجرة من البلاد لأسباب عديدة باتت معروفة للجميع، منها الخوف على مستقبل الأطفال، لكن القصة لم تكن في هذا الصدد، فقد حجز «خ» تذكرة طيران على إحدى الشركات الخاصة إلى مطار أتاتورك في تركيا، عن طريق مكتب سياحة وسفر في ريف دمشق، بمبلغ 150 ألف ليرة سورية، مقابل تأمين رحلة خلال أسبوع فقط.

الرحلة ألغيت دون أن تلغى!

في الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم الذي يسبق الرحلة المحددة في الساعة الثامنة صباحاً، اتصل شاب من مكتب االسياحة هاتفياً بـ»خ» مؤكداً أن الرحلة إلى تركيا قد أُلغيت إلى أجل غير مسمى، وعلى ذلك يتوجب على «خ» مراجعة المكتب في الصباح الباكر لترتيب الأمور، بدلاً من التوجه إلى المطار.

«خ» لم يحصل على «تكت» الطائرة من المكتب، وكل ما حصل عليه عندما حجز لرحلته، هو ورقة مطبوعة تحمل معلوماته الشخصية ورقم، مايعني أن المكتب قادر على التلاعب بالتذاكر وبيعها لمن يشاء، أو بالأحرى كما قال «خ» لمن «يدفع أكثر، وخاصة المضطرين للخروج بسرعة من البلاد»، حيث يتم تسليم التذاكر من مكتب الشركة في المطار قبل الركوب بالطائرة.

«خ» اتصل بحركة المطار ليلاً، كون شركة الطيران التي حجز عبرها كان قد انتهى دوامها الرسمي. وفي الحركة، أكدوا له بأن الرحلة قائمة ولم يطراً أي تعديل أو إلغاء عليها.

وعلى ذلك ذهب «خ» إلى المطار قبل الفجر، وانتظر حتى فتحت الشركة أبوابها ليقدم الوصل لهم ويحصل على التذكرة قبل أن «يتلاعب المكتب بها، ويسحبها لأحد غيره» على حد تعبيره.

القصة ذاتها حصلت مع «أبو فجر»، وهو خريج جامعي حديث، حاول أن يقطع تذكرة عبر السورية للطيران إلى تركيا، إلا أن مكتب السياحة والسفر، أكد له أنه لاتوجد رحلات عبر السورية إلى الخارج، بينما يمكن أن يقدم له عرضاً برحلة قريبة عبر شركة خاصة، بمبلغ يصل إلى 160 ألف ليرة سورية، وفعلاً هذا ماتم، إلا أنه تم الادعاء بإلغاء الرحلة قبل موعدها بيوم، ولهذا توجه في اليوم التالي ليسحب مادفعه من نقود، وقام بحجز رحلة عبر شركة لبنانية من خلال وسيط.

مهربو بشر في السوق

هناك مهربو بشر يعملون في سوق التذاكر السوداء، وخاصة لمن يريدون الخروج بطريقة غير شرعية لأسباب عدة، منها عدم الحصول على جواز سفر وعدم الرغبة بدفع مبلغ 300 دولار تأمين، أو انتهاء تأجيل خدمة العلم أو عدم وجود دفتر الخدمة وإلى ذلك من أسباب. وهؤلاء يضطرون للتوجه إلى «المهربين»، كما يقول «م.س»، الذي يؤكد أن أحد المهربين الذي أصبح خارج سورية حالياً، كان يأخذ على تذكرة الطائرة إلى القامشلي 150 ألف ليرة سورية، متضمنةً الوصول إلى تركيا عبر مهرب آخر.

المضطرون فعلاً للوصول إلى المحافظات الشمالية كالحسكة والقامشلي، ونتيجة الضغط على هذه الرحلات إثر الخوف من الطريق البري، فقد وصل سعر البطاقات المستعجلة في السوق السوداء إلى حوالي 50 ألف ليرة سورية، ويتم تأمينها أيضاً عبر سماسرة ومهربين وفقاً لـ«م».

المكاتب تسمسر

وفي جولة لـ«قاسيون» على مكاتب السياحة والسفر بدمشق، تبين أن المكاتب ذاتها تمارس دور السمسرة والتلاعب، فقد يوهم بعضهم الزبون بأن الانتظار قد يطول لأسابيع، أو أن الشركة التي يريدها لم تعد تسير رحلات إلى الوجهة التي يريد، ليقوم المكتب بتحويل الزبون إلى الشركة التي يتعامل معها، ويؤمن أقرب حجز له مقابل عمولة معينة.

موظفون متهمون

أحد العاملين في مكاتب السياحة والسفر، اتهم  عبر «قاسيون» عاملاً في الشركة السورية للطيران، يقوم بملء قوائم الرحلات بأسماء وهمية لا أساس لها في الوجود، ومن ثم بيعها للسعر الأعلى إما للسماسرة أو مكاتب السياحة والسفر».

وأكد أيضاً وجود عاملين في الشركتين الوحيدتين للطيران في سورية، متواطئين مع سماسرة يتقدمون للشركة على أنهم زبائن طبيعيون، ويحجزون أكثر من مقعد، ليقوموا ببيع تذاكرها في السوق السوداء، كمصدر للرزق.

وفي متابعة الأسعار الرسمية التي حصلنا عليها من الشركات المشغلة ذاتها، تبين أن الأسعار غير مستقرة تبعاً لتقلبات سعر الصرف، لكن لحظة إعداد هذه المادة كانت الأسعار كالتالي:

أجنحة الشام من دمشق إلى تركيا: 115 ألف إلى 150 ألف، حسب المطار «أضنة، أتاتورك، صبحة»، بينما تعرض المكاتب السياحية سعر «150 ألف» للرحلة إلى تركيا دون تحديد وجهة المطار إن لم يطلب المسافر، وعندما سألت «قاسيون» عن المطار أجاب صاحب المكتب «حسب»، أي أنه لايوجد مطار محدد، وهنا أيضاً، يكون باب آخر للتلاعب في الأسعار، وخاصة للمضطرين.

وبالنسبة للرحلات الداخلية، فقد كانت أسعار السورية للطيران ذاتها أسعار أجنحة الشام تقريباً : 18500 ليرة إلى القامشلي، بينما السورية للطيران بحوالي 7500 ليرة سورية إلى اللاذقية.

السورية للطيران «عاجزة»

حصر السورية للطيران الحجوزات عبر مكاتبها بقرار جديد، زاد من سعر بطاقاتها في السوق السوداء، ففي اتصال هاتفي مع أحد العاملين بمكاتب السياحة والسفر، أبدى استعداه لتأمين بطاقة إلى القامشلي بسعر 50 ألف ليرة سورية، والشخص ذاته أبدى استعداده لتأمين مقعد في أقرب رحلة إلى تركيا عبر أجنحة الشام بزيادة على التذكرة حوالي 30 ألف ليرة سورية.

وتبقى السورية للطيران عاجزة عن إيجاد توازن بين العرض والطلب على تذاكر السفر، وذلك بسب تزايد حجم الطلب على السفر جواً نتيجة انقطاع بعض الطرق البرية باتجاه المنطقة الشرقية، عدا عن زيادة عدد الراغبين بالهجرة غير الشرعية عبر تلك المحافظات.

رحلات دون ركاب

وفي سياق آخر، كانت السورية للطيران أكثر المتضررين من وجود الشركات الخاصة، والسماسرة الذين يتلاعبون بسوق التذاكر السوداء، حيث نفّذت السورية للطيران رحلة طيران نظامية مبرمجة ومدرجة على جداولها الخارجية (خط دمشق النجف وبالعكس)، دون أي راكب وفي الاتجاهين، وذلك بتاريخ 20/12/ من العام الفائت، ما كان نتيجته تحمّل المؤسسة لخسارة بلغت 20 ألف دولار أمريكي، وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم المؤسسة بتنفيذ رحلة طيران دون ركاب، إذ أنها نفذت رحلة سابقة وعلى الخط نفسه أيضاً ودون ركاب وذلك خلال الشهر التاسع من العام الفائت، أي أيضاً خسارة 20 ألف دولار.

تحقيق وبراءة!

مدير الإدارة العامة للسورية للطيران أحمد القاضي أكد وجود السوق السوداء، مبرراً ذلك بأن عدد الرحلات والحجوزات محدودة، «بالتالي بعض ضعاف النفوس تستلغها وليست من مؤسستنا»، لكنه أكد في الوقت ذاته «إجراء عدة تحقيقات مع بعض مكاتب السياحة والسفر وتمت معاقبتهم، بينما تم التحقيق مع بعض الموظفين نتيجة اتهامات ولم يثبت عليهم شيء».

السوق السوداء بالنسبة للسورية للطيران كان في غالبها لتذاكر الطيران إلى القامشلي، كونها لا تسير رحلات إلى لبنان أو تركيا حيث تحتكر هذه الرحلات أجنحة الشام، وتلك الوجهات هي الأكثر طلباً مؤخراً.

لايوجد منافس آخر في الساحة بالنسبة للرحلات، فالخيارات محدودة بالنسبة لرحلات تركيا ولبنان عبر أجنحة الشام، حيث لاتوجد سوى شركتين تعملان حالياً، مايزيد من انتعاش السمسرة في بيع التذاكر، حيث أكد القاضي أنه «هناك شركتان قيد الإشهار وهما فلاي داماس وإيبلا»، مؤكداً أنهما لم يباشرا في تسيير الرحلات بعد».

أسامة ساطع مدير تطوير الأعمال في شركة أجنحة الشام، أكد ازدياد الطلب على رحلات المنطقة الشرقية والقامشلي، ونشاط «السماسرة لبيع المقاعد» في هذه الوجهة التي قمنا بتسيير أكثر من 300 رحلة، ونقل أـكثر من 22 ألف راكب إليها في الفترة الماضية، مشيراً أيضاً إلى وجود زيادة في الطلب على رحلات تركيا عبر لبنان.

نتائج التشاركية بالمهد

ما سبق يؤكد أن التشاركية المعمول بها في قطاع النقل الجوي ما هي إلا تشاركية جيوب swالمنتفعين من تجار وسماسرة وغيرهم، على حساب الطيران السورية والمواطن، هذا وما زلنا في المهد من تنفيذ هذا الشعار على مستوى النقل الجوي، فكيف سيكون واقع حال السورية للطيران وحال المواطن، بعد استكمال تنفيذه؟.