المشافي الخاصة مقامات.. المعاملة بالسوري والدفع بالدولار

المشافي الخاصة مقامات.. المعاملة بالسوري والدفع بالدولار

يرفع السوري يديه مبتهلا .. ألا يزور الطبيب أو يدخل مشفى، فمراجعة الأطباء أو الدخول إلى المشافي، والخاصة منها تحديداً، بات يتطلب وجود ثروة في جيبك، أو أنك ستشحذ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

يلي ما معوش! 

في أحد المشافي الخاصة، يرتفع صوت مدير المحاسبة بوجه مازن. ع، فالخلاف هنا على مبلغ الفاتورة الكبير الذي تفاجأ به مازن، الذي قال لقاسيون: توفي والدي قبل عامين، حيث أحضرته بحينها إلى هذا المشفى وبات فيها ليلة واحدة ثم توفي، وقد كلفني الأمر ما يقارب السبعين ألف ليرة بوقتها, ومنذ يومين تعبت والدتي كثيراً وقررنا نقلها إلى المشفى، حيث توفيت بعد أن دخلت المشفى بما يقارب النصف ساعة، وكل ما قامت به المشفى هو إجراء إنعاش لوالدتي، ولكنها لم تستجب، وسلمنا بقضاء الله وقدره، وتم وضعها في البراد لليوم التالي، كي أتمكن من استكمال إجراءات الدفن وغيرها، ولكن عندما أتيت إلى قسم المحاسبة كي أسدد كامل الحساب وإخراج والدتي لدفنها، تفاجأت بالمحاسب يطلب مبلغ مائة وخمسين ألف ليرة سورية، ويتابع مازن: لم تأخذ والدتي حبة دواء واحدة، فهل من المعقول أن يصل أجر الليلة الواحدة في براد الموتى إلى مئة ألف ليرة؟!. 

مدير المحاسبة يقول: نحن نعمل في حي راقي، وكان يجب على المريض أو ذويه السؤال عن الأسعار قبل أن يدخلوا المشافي الخاصة، متابعا: كافة السلع ارتفعت أسعارها، فلماذا يستغرب الجميع ارتفاع أسعار المشافي، مضيفا: الذي لا يملك نقوداً يمكنه أن يذهب إلى المشافي العامة. 

لم تعد المشافي الخاصة تلتزم بالتسعيرة الحكومية الخاصة بها، وسط استغراب المرضى من الأسعار الخيالية لبعضها، حيث يقول مدير أحد المشافي، التي يصنفها السوريون على أنها من المشافي «الخمس نجوم»، مفضلاً عدم ذكر اسمه: إذا قررنا الالتزام بتعرفة الدولة فإننا سنغلق المشفى ونجلس في منازلنا، فنحن نعمل في ظرف استثنائي، فلا الدواء متوفر ولا الكادر الطبي ولا المعدات، حتى الكهرباء والوقود غير متوفرين، لذلك نحن مضطرون لشراء جميع مستلزماتنا من السوق السوداء، التي تتعامل بالدولار وتتغير أسعارها من دقيقة إلى أخرى. 

أخطاء بالجملة

والخدمة (هات أيدك)

ينوي محمد رفع دعوى قضائية، على طبيبة نسائية قامت بتوليد زوجته في مشفى يقع في شارع 29 أيار وسط مدينة دمشق، يقول محمد: أجرت إحدى الطبيبات النسائية عملية قيصرية لزوجتي، لكنها لم تعد لتعاين جرحها، حيث خرجتها إدارة المشفى قبل أن تكمل الـ24 ساعة، وقد كلفت العملية 65 ألف ليرة، وبعد يومين لم تعد زوجتي قادرة على التنفس، فقمنا بإسعافها، واتضح أن الطبيبة قامت بضرب المصران (الامعاء الغليظة) لدى زوجتي، وأن فضلات جسم زوجتي (تقريبا خمسة ليترات) بقيت في بطنها، أَجريت لزوجتي أربع عمليات جراحية بنتيجتها، كلفتني أكثر من مائتي ألف ليرة سورية.

لا يتأمل محمد كثيرا من الدعوى القضائية التي سيرفعها بحق الطبيبة النسائية، لكنه يقول: لن أتنازل عن حق زوجتي المعنوي والمادي، فهي ومنذ أن وضعت المولود، تنتقل من مشفى الى آخر لمدة شهرين، ولم تُشف بعد!.

تسافر أم سمير بابنها سمير إلى لبنان، لعلها تجد له العلاج المناسب، وتقول: أصيب إبني بحادث سيارة، وعلى أثرها قمنا بإجراء جبر لساقه في إحد المشافي الخاصة، وكلفت وقتها عشرين ألف ليرة، لكن الزجاج وقطع معدنية صغيرة دخلت إلى ساق إبني، أخبرنا الأطباء أنهم قاموا بإخراجها وتنظيف ساقه، لكن الأدوات التي استخدمها الأطباء لم تكن معقمة، مما أدى إلى تورم رجل إبني ومن ثم قام الأطباء ببتر جزء من قدمه، واليوم لاحظت أن لون بقية الساق قد تغير، لذلك فضلت أن أصطحبه إلى لبنان كي أجري له الفحوصات، وعن تكلفة العلاج تقول أم سمير: يوجد جمعية خيرية في لبنان تكفلت بعلاج إبني.

خدمة خاصة

يحاول بعض الأطباء أن يستقطبوا مرضى من المشافي العامة، كي يقوموا بعلاجهم في المشافي الخاصة التي يخدمون بها. 

أجرت سُمية عملية لعينها في إحد المشافي الخاصة، وتقول: حضرت إلى مشفى العيون، وعندما قرر الطبيب موعداً للعملية كان الدور يستغرق شهرين، وأنا قادمة من محافظة بعيدة، حاولت أن أقدم موعد العملية لكن الموظفة المختصة قالت إن هذه الأمر مستحيل، ومن ثم قامت الموظفة المسؤولة بإعطائي رقم مشفى خاص يعمل به الطبيب نفسه، وفعلاً اتصلنا به، وفي ظرف أسبوع أجريت العملية التي كلفتني سبعين ألف ليرة، وتتابع سُمية: المبلغ كبير لكن الإنتظار في المشفى العام كان سيستغرق شهرين، مضيفةً: وجدت خمسة مرضى كانوا معي في المشفى العام، في ذات المشفى الخاص، ويريدون إجراء عملياتهم عند الطبيب بذاته. 

خمس نجوم

 لا يعتمد السوريون في تصنيفهم للمشافي الخاصة على توصيف وزارة الصحة لها، حيث يتم تصنيفها حسب الحي والمكان الذي تتواجد فيه. 

فأسعار الولادات وغرف العناية هي الأكثر تنافسية بين جميع الخدمات، حيث وصلت تكلفة الولادة القيصرية في أحد أبرز مشافي مدينة دمشق إلى مائتين وخمسين ألف ليرة، والولادة الطبيعية إلى خمسين ألف ليرة، حيث تتضمن الخدمة توفر تلفاز بعدد قنوات مفتوحة، وسرير إضافي وبراد ماء. 

في حين تقل التكلفة كلما انخفضت الرفاهية التي تقدمها هذه المشافي، وباتت أقل عملية قيصرية تكلف من أربعين إلى خمسين ألف ليرة، وهذه التكاليف لا تتضمن سعر الأدوية المقدمة للمريضة. 

أماني، سيدة تنتظر مولودها الثاني خلال شهرين، تقول: بحثت بين معظم المشافي العامة والخاصة القريبة من منطقة الزاهرة، وهي مكان سكني، فوجدت أن أقل تكلفة هي 35 ألف ليرة، ولا تتضمن أدوية الالتهابات، التي يفترض أن أتناولها بعد العملية، كما لا تتضمن لقاح الطفل، علماً أن وزارة الصحة توزع هذه اللقاحات مجاناً، وتتابع أماني: ترفض طبيبتي التي تشرف على حملي أن تقوم بتوليدي بأي مشفى، فهي تشترط علي أن ألد في مشفى معين دون غيره، وهذا المشفى يطلب خمسين ألف ليرة كتكاليف للولادة.

هجرة 

يعاني قطاع الصحة من هجرة كوادره، كما هي الحال في معظم القطاعات، حيث أعلن نقيب الأطباء د.عبد القادر حسن، في تصريح سابق له، أن عدد الأطباء الذين هاجروا العام الحالي بلغ 900 طبيب، وأن نسبة الأطباء الذين هاجروا إلى خارج البلاد خلال فترة الأزمة تجاوزت في مرحلة معينة 30% أي ما يعادل 10 آلاف طبيب من أصل 40 ألفاً.

وأكد حسن أن عدد الأطباء الذين عادوا حتى هذه اللحظة 600 طبيب، معظمهم من الدول العربية.

موضحاً أيضاً، أن معظم الأطباء الذين هاجروا هم من الشريحة الشابة، في حين الأطباء القدامى معظمهم بقوا في سورية، وأن هناك العديد من الأطباء يعملون في الدول الأوروبية قبل الأزمة، وأن وجودهم في تلك الدول ليس بسبب الظروف الأمنية التي تشهدها سورية، إلا أنه من الممكن القول إن مجيئهم إلى سورية قليل، مشيراً إلى هجرة أعدادٍ من الأطباء المتضررين بسبب الأزمة.

إسعاف

معظم المشافي الخاصة تعتذر عن استقبال الحالات الإسعافية، وخاصة للمصابين بالأعمال الحربية أو نتيجة سقوط قذائف، وحجة هذه المشافي وجود مشافي عامة لهذا الغرض، كما أن عدداً من هؤلاء المرضى خرجوا من المشافي ولم يسددوا كامل تكاليف العلاج المترتب عليهم، علماً أن تلك المشافي لا تقوم بإجراءات الإسعاف الضرورية، قبل تسديد الدفعة المطلوبة مقدماً «كسلفة على الحساب»، مهما كانت تلك الحالة الإسعافية اضطرارية، وكثيراً ما عانى ذوو تلك الحالات من مشاهدة مصابيهم بتلك الحالة، وهم بين أخذ ورد مع كادر هذه المشافي، بشأن أولوياتها المالية، وأولوياتهم الإسعافية.

المواطن هو الضحية

عوامل عدة اجتمعت على المواطن السوري كي تزيد من معاناته مع قطاع الصحة، فخروج عدد كبير من المشافي عن الخدمة، وهجرة الأطباء والكوادر الطبية الرديفة، والحصار المفروض على سورية من حيث إدخال الأدوية والمعدات والتجهيزات الطبية، وغياب الرقابة الصحية والتموينية على معظم المنشآت الصحية، جعل المواطن بالنتيجة أكثر عرضة للاستغلال، وهو بالنهاية المتضرر الأكبر من حيث الخدمة والتكاليف.

وسيستمر الوضع على ما هو عليه، إن لم تبادر الجهات المعنية بالرقابة والإشراف على القطاع الصحي بدورها وواجبها، وإن لم يلتزم القطاع الصحي (بأطبائه على وجه الخصوص) بقسَمهم الانساني الطبي، بعيداً عن جشع الإثراء على حساب صحة المواطن وجيبه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
0
آخر تعديل على السبت, 18 أيار 2024 22:04