حلب تختنق من الداخل
ياسمين سراج الدين ياسمين سراج الدين

حلب تختنق من الداخل

دون سابق إنذار، وخلال ساعات قليلة من انتشار خبر إغلاق طريق خناصر أثريا سلمية، المتنفس الوحيد لمدينة حلب، بسبب هجوم تنظيم داعش الإرهابي، حتى استعادت المدينة شبح أيام مضت، عانت فيها الأمرين وعاينت أيام سوداء، حيث اختفت العديد من المواد الأساسية، واشتعلت أسعار أخرى، ناهيك عن فقدان المحروقات، وما وجد منها يباع في السوق السوداء بأسعار خيالية.

الحكومة بواد والأزمة بواد

معاناة كان أحد أسبابها عمل المسؤولين على المستوى الحكومي العام، وعلى مستوى مدينة حلب الخاص، بعيداً عن واقع هذه المدينة ومتطلباتها الحيوية، حيث وحتى الأن، لم يقوموا بإجراءات حقيقية بعيداً عن العدسات، لحل أزمات ومعاناة حلب وسكانها من جذورها، ولوضع أليات تحمي لقمة الشعب من أي عملية نهب وابتزاز، من خلال وضع الموارد بيد الدولة لتتحكم بضخها وبأسعارها وبكمياتها، خلال الأوضاع العادية أو الطارئة، وبوضع حدود للأيدي التي تحاول المساس بلقمة المواطنين ومحاسبتها، فعمر الأحداث وما مر على المدينة من أزمات لم يكن كافياً على ما يبدو، كي تدفعهم لهكذا تدابير، خاصة وأنها لم تكن الأزمة الأولى، ولن تكون الأخيرة، إذا استمرت الأمور بالسير على عواهنها.

توجهت قاسيون للشارع واستطلعت آراء المواطن الحلبي، الذي حمل مواجع كبيرة وهموماً لا تنتهي، حتى بات مجهداً من التفكير كيف سيطعم عائلته، ففي الحصار السابق  كانت مؤونة المنزل التقليدية كفيله بإنقاذه نوعاً ما، لكن بفعل الأزمة وتكرارها صار يعيش يومه متخبطاً.

 أبو أسماعيل يشكو، بعد أن تعب من التنقل من بسطة إلى أخرى، قائلاً:  فُقدت الخضار من الأسواق بشكل شبه تام، وما تبقى هو ما يمكن تخزينه في الأحوال العادية وليس سريع العطب، ومع ذلك أسعاره غالية، فماذا نأكل؟، ويضيف: تابعنا جولة المحافظ والمكتب التنفيذي إلى الأسواق للاطلاع على الأسعار، هم قاموا بمحاسبة الباعة الصغار وأجبروهم على البيع بأسعار أقل، ولكن ماذا عن التجار في سوق الهال الذين باعوا بأسعار مرتفعة، وهم السبب في فقدان بعض المواد وارتفاع أسعار أخرى.

وعن واقع فقدان المواد تقول أم عادل: في أحد المخازن الكبيرة المملوكة لأحد النافذين في المدينة، إن بحثت عن لبن العصفور تجده، ولكن بسعر خيالي، وإن سألت بغيره  من الأماكن تجد أن كل شيء قد اختفى بعد ساعات من انتشار الخبر، فعلى سبيل المثال مادة السكر ذابت في مرار أيام هذه المدينة، فأين تبخرت؟.

المحروقات المادة الأكثر حساسية في أي أزمة, أو مشكلة أو تقلب في الطقس، فـإما أن تشتعل بارتفاع الأسعار، أو تتبخر عند حصار المدينة، لتباع في السوق السوداء، وهو ما أطلق أسئلة المواطن التي لم تجد جواباً شافياً.

فتقول أم هاشم: كل شيء تبخر من حلب، فإن كان الطريق مغلقاً، فأين ذهبت؟، هل يعقل ما تعانيه المدينة، حتى المحروقات اختفت، حيث كانت سيارات الغاز تتجول في المدينة لتبيع جرة الغاز بسعر 1800 ل.س، ولتختفي اليوم، وإن وجدت فبسعر 5000 ل.س، وحتى من وجد منهم جواباً على سؤاله، وقف عاجزاً فاقداً ما تبقى له من صبر استنفذه خلال سنوات الأزمة.

 يقول عبد العزيز: المؤامرة هي من دواعش الداخل، تجار الأزمة والفاسدين، ففي يوم السبت الفائت مررت في أحد مراكز توزيع الغاز، وقد تراكمت حوله عربات بيع الغاز وبالسعر المحدد، ليأتي صباح اليوم التالي، وتختفي السيارات والباعة ومعها تلك الجرار.

أما أبو سليم فيقول: كل شيء فينا مهدد، أفلا تكفي هؤلاء المسؤولين لقمتنا المهددة ليتحركوا، حتى تجار الأمبيرات بحجة إغلاق أغلب المحطات لانقطاع المحروقات، قاموا بتقنين ساعات التشغيل، المقننة أصلاً، متبجحين بأنهم لم يرفعوا سعر ساعة التشغيل رأفةً بحالنا، رغم تأكيدات المسؤولين بأن مخصصاتهم لم تنقطع، فحلب تعيش مهزلة قاسية، و((المسؤولين متفرجين)).

ضرورات الحل

لسان حال مواطني حلب يقول: إلى متى تستمر هذه المعاناة؟، ألا يكفي إلى اليوم ما عانينا منه، خلال سنوات الأزمة السورية؟، التي اختُزلت جميعها في المدينة، نحن صابرون للآن ومتعلقون في أمل الخلاص، ولكن هذا الصبر نخشى أن ينتهي يوماً، فالمواطنون تُهدد لقمة عيشهم وتتحول لسلعة بأيدي التجار والسماسرة والمتنفذين، وهناك تقصير في السعي لإيجاد توافقات ومصالحات تؤمن معابر متعددة، تضمن عدم اختناق المدينة، وتوفر شرايين تمدها بالحياة في أوقات الأزمات وتسهل تنقل المواطنين، وتنقذ المدينة من الوقوع بالشلل التام، وتخفف الأعباء والأثمان المكلفة التي يبذلها الجيش العربي السوري لتأمين المدينة وحمايتها.