المحافظة شبه المنسية.. حماة
حماة (مدينة وريف)، كما غيرها من المحافظات، عانت ما عانته من ويلات الحرب والتشرد وآثارهما اليومية، فيها تنقطع الكهرباء أحياناً 24 ساعة متواصلة بسبب الأعطال في الشبكة أو الضغط عليها، وفترات التقنين تتراوح بين 12 ساعة لتصل إلى 16 ساعة وأكثر غالباً، أما في ريفها وبعض أحيائها، فحدث بلا حرج فالكهرباء مقطوعة بشكل شبه تام منذ أكثر من عامين، كإجراء عقابي لأهالي تلك الأحياء والقرى والمناطق، بسبب تواجد المسلحين والأعمال القتالية، وبسبب خروج (محطة زيزون) عن الخدمة، وأزمة الكهرباء التي تعم البلاد، وهي بذلك شبه غارقة بالظلام، مع ما يترتب على ذلك من شح بالمياه بسبب الكهرباء وأسباب عديدة أخرى.
تعتبر مدينة حماة ملاذاَ آمناً لأعداد كبيرة من النازحين، من ريفها وريف ادلب وبقية المحافظات، يقدر عددهم بمئات الآلاف، الذين وفدوا إليها نزوحاً بنتيجة الحرب، هروباً من الموت في مناطقهم على أثر دخول المسلحين إليها وما تعرضوا له من فقدان لبيوتهم وممتلكاتهم، مع الغياب شبه التام لدور منظمات الإغاثة فيها من حيث تأمين المأوى والإطعام وبعض الخدمات الأساسية الأخرى، حيث يعانون من عدم التجاوب مع متطلباتهم منذ سنوات، بل غالباً ما يمارس عليهم ضغوط إضافية لهذا السبب أو ذاك ومن هذه الجهة أو تلك.
أسعار الإيجارات في المدينة أصبحت مرتفعة جداً، وهي تعاني كما غيرها من الارتفاع الحاد لأسعار مستلزمات الحياة اليومية المعيشية، من أغذية وألبسة ومنظفات وغيرها، مع النقص بمواد المحروقات (مازوت- غاز- بنزين) وتقاضي أسعار احتكارية عند تأمينها من قبل بعض السماسرة المدعومين من بعض المتنفذين فيها.
فرص العمل داخل المدينة محدودة وغير متوافرة، خاصة مع الأعداد المتزايدة من الوافدين إليها، لذلك هناك آلاف العاطلين عن العمل الذين يبحثون عن قوت يومهم وأسرهم ليؤمنوها بشق الأنفس، وليبعدوا أنفسهم عن شبح الجوع والتشرد.
الخدمات الطبية بحدودها الدنيا، ولا يخلو الأمر من الواسطة والمحسوبية، إضافة الى المعاناة من شح الأدوية وخاصة للأمراض المزمنة (الضغط والسكر و...)، وارتفاع أسعارها، واحتكارها أحياناً بسبب تأمينها تهريباً لتباع بالدولار أو ما يعادله، استغلالاً لحاجة المرضى وذويهم.
بعض أحياء المدينة الواقعة على أطرافها والكثير من القرى، يعاني سكانها من تواجد المسلحين (جبهة النصرة ومثيلاتها) وممارساتهم القاسية على الأهالي، وهي تخضع أحياناً للحصار بسببهم، حيث يمنع الدخول والخروج منها، إضافة الى منع إدخال الأطعمة والأغذية والأدوية، مما دفع جزءاً من أهلها لإفراغها والنزوح منها تباعاً، بسبب هذا التواجد للمسلحين والمعاناة منهم، إضافة لإجراءات الحصار وذاك التهديد اليومي باشتعال الأعمال القتالية والقصف، رغم مساعي بعض الأهالي هنا وهناك عبر بعض الوجهاء للخوض بالمصالحة، ولكن دون جدوى أو تشجيع.
بعض المناطق التابعة للمحافظة (مثل مورك) تم طرد الجماعات المسلحة منها، وتمت المطالبة بعودة الأهالي إليها وصرف تعويضات الأضرار إليهم، كي يتمكنوا من العودة والاستقرار وترميم منازلهم ومنشآتهم، كما طالبوا بإعادة تأهيل البنية التحتية لها كي تتمكن المنطقة من استعادة نشاطها، وقد تجاوب المحافظ مع هذه المطالب ورفع طلباً بذلك إلى رئاسة مجلس الوزراء، كما طالب بدوره بزيادة الاعتمادات المخصصة للتعويض عن الأضرار بنتيجة الأعمال الارهابية للمتضررين بشكل عام، واستكمال انجاز أضابير المتضررين من الأعمال الإرهابية، عبر اللجان المشكلة لهذه الغاية، ولا زال المتضررون والأهالي بانتظار استكمال تلك الإجراءات وغيرها، التي لا تخلو من التعقيد والسمسرة والرشاوى.
أهالي مدينة حماة بأحيائها وريفها وقراها، يشعرون بأنهم الابن غير الشرعي للحكومة ومؤسساتها، فهم بعيدون عن اهتمامها بهم وبمعاناتهم، على مستوى حل قضاياهم، وتأمين مستلزمات حياتهم الضرورية اليومية، حتى على المستوى الإعلامي الرسمي، منتظرين بصمت ذاك الاعتراف بشرعية وجودهم، عبر إجراءات جدية داعمة لهذا الوجود.