خطة طوارئ «فاشلة» المياه لم تصل بعد

خطة طوارئ «فاشلة» المياه لم تصل بعد

لم تعد تعنيهم الأسباب، بقدر ما يعنيهم الحصول على مياه للشرب وسط دمشق، كما وعدتهم الجهات الرسمية مراراً، فمنذ تشرين الثاني من العام الماضي، عندما حصل انقطاع طويل لمياه الشرب عن العاصمة، وعدت مؤسسة المياه بتفعيل خطة طوارئ، روجت لها على أنها فعالة وقادرة على إعادة المياه لمجاريها خلال 48 ساعة على أبعد تقدير، والقدرة على تخديم العاصمة مهما طالت مدة انقطاع مصدر المياه.

لكن المشكلة عادت من جديد في شهر آب الماضي، حين لم يلمس المواطنون جدوى خطة الطوارئ المعلن عنها، ومؤخراً حصل انقطاع مشابه لكنه «الأصعب» مقارنة بما سبق وفقاً لكثير من المواطنين، كونه مستمر حتى اليوم الأول من عيد الأضحى في كثير من المناطق مثل «باب توما، وبوابة الميدان، ونهر عيشة، ومناطق مرتفعة من ركن الدين»، ليؤكد ذلك فعلاً عدم جدوى هذه الخطة كما تم الترويج لها.


لا توجد أوامر!

أحد سكان منطقة ركن الدين الذي وصف خطة الطوارئ بـ«الفاشلة»، قال: «في اليوم الثاني للانقطاع، اتصلت مع مؤسسة المياه كي يرسلوا لنا صهريجاً صغيراً، عله يحل الأزمة التي حلت بنا، إلا أن المسؤول عن الصهاريج هناك، أكد بأنه لم يحصل على أوامر بتسيير أية صهاريج للمدنيين، وأن الأولوية للجهات الرسمية، وأهمها المدارس على حد تعبيرهم».
وتابع «لا أعلم كيف تكون الأولوية للمدارس، والمدرسة في حينا قطعت عنها المياه لمدة أسبوع، ولم يتم إرسال أي صهريج؟».
وأضاف «حيّنا مرتفع، وآخر من تصل إليه المياه في دمشق، وأول من تنقطع عنه نتيجة انخفاض وارتفاع منسوب المياه في الأنابيب عند ضخ المياه أو توقفها، وهنا تكمن مشكلتنا، عدا عن الكثافة السكانية، وعدم القدرة على تركيب خزانات مياه ضخمة، ما جعلنا نفقد المخزون في أول يوم انقطاع، دون أن نشعر بوقوف أحد إلى جانبنا».
فراس «نزح» أيام انقطاع المياه من حيه «الجادات» إلى جرمانا بريف دمشق، لينعم بالمياه هناك التي لم تنقطع نهائياً، كونها مياه آبار، وهنا يقارن ما حل به مع تصريحات سابقة لمؤسسة المياه، والتي أكد مديرها حسام حريدين أنه «لدى المؤسسة خطة طوارئ لأي مصدر مياه يخرج عن الخدمة، وهي تستطيع تلبية احتياجات المواطنين بتقسيم المدينة لقطاعات»، على حد تعبيره، وهنا بدا الشرخ واضحاً بين الواقع والتصريح، حيث أكد فراس مرور خمسة أيام دون أن تصل مياه خطة الطوارئ.
حريدين قال في حادثة انقطاع المياه عن دمشق العام الماضي: إنه في حال حدوث أي طارئ سيكون لدينا مصدر بديل وهو حوض مدينة دمشق، نأخذ منه 175 إلى 200 ألف م3  يومياً، إضافة إلى خطة طوارئ، فإن خرج نبع بردى أو نبع الفيجة عن الخدمة، يمكننا خدمة مدينة دمشق بشكل كامل بتقسيم المدينة إلى قطاعات، وكل قطاع يأخذ حاجته حسب عدد السكان، ما لم يتحقق بالنسبة لأغلب أحياء دمشق، في الانقطاعين الأخيرين.


الطوارئ قد تكون «كارثة»

خطة الطوارئ، وبحسب مصدر في مؤسسة المياه، قادرة على وصل المياه إلى جميع مناطق دمشق، لكن فقط ليوم واحد وصل، ويومين أو يوم آخر قطع، وهنا قد تكون هذه الخطة «كارثة» على المناطق المرتفعة مثل ركن الدين والجادات، التي تحتاج لضخ مياه كبير وقوي ليوم كامل على الأقل لكل دمشق، حتى تصل إليهم المياه بعد امتلاء الأنابيب، وهذا ما يفسر عدم استفادة سكان تلك المناطق من خطة الطوارئ، ومعاناتهم الكبيرة في أي انقطاع، كون ضخ مياه «الطوارئ» إن وجدت يكون ضعيفاً جداً، وبحاجة إلى مضخات وخاصة للأبنية المرتفعة، عدا عن أن مياه الطوارئ لا توزع على مدار 24 ساعة، وقد تقطع ليومين متتاليين وفقاً للتصريحات.
وهذا السبب أكده مدير عام مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها، حسام حريدين في تصريحات إذاعية، قال فيها: إن «تأخر وصول المياه إلى المناطق الموجودة على سفح جبل قاسيون، ناجم عن ضرورة تعبئة الخزانات وامتلاء الشبكة، ما يحتاج ضخ مياه 24 ساعة متواصلة»، أي أن خطة الطوارئ غالباً، ستكون غير كفيلة بتوصيل المياه إلى الكثير من مناطق دمشق، لضعف الضخ بداية، وعدم الاستمرار بضخ المياه 24 ساعة متواصلة.


خطة لتطوير خطة

حريدين قال في شهر آب الماضي: إنه هناك خطة لتطوير «خطة الطوارئ» الموجودة لاستدراك تلك العقبات، وأنه «تم تفعيل خط وصل الأمويين مع خزان الوالي، وهذا يكفي لتزويد المنطقة هناك بالمياه، بيوم وصل ويومين قطع عند الطوارئ»، وكشف عن أنه يتم حالياً «تجهيز آبار احتياطية جديدة بالتعاون مع محافظة دمشق، للمناطق المرفتعة مثل المهاجرين أو ركن الدين وسفح جبل قاسيون».
لكن الانقطاع الأخير للمياه، كشف عن وجود تقصير ما في هذا الصدد، حيث عادت المعاناة لتلك المناطق دون أي تحسن يذكر، ولم تصل المياه إلى المناطق المرتفعة إلا بعد 5 أو 6 أيام، ما ينفي تصريحات حريدين السابقة التي قال.. فيها: إنه في حال حدث قطع لأحد مصادر المياه مرة أخرى ولو «لعشرة سنوات»، فإن المياه ستصل إلى سفح جبل قاسيون خلال يوم أو يومين فقط، وسيتم تزويد مناطق دمشق جميعها بيوم وصل ويومين أو يوم قطع، بعد تقسيم العاصمة إلى قطاعات.


لا توجد صهاريج لسفح قاسيون!

سكان منطقة ركن الدين والجادات، اشتكوا من عدم وصول صهاريج المياه إليهم عند حاجتها، وهنا تضع مؤسسة المياه ومحافظة دمشق حجة، بأن الأزقة هناك ضيقة ولا يمكن الصعود إليها، علماً أن سيارات الإطفاء والإسعاف والسرافيس تصل إلى هناك بسهولة، وفقاً للمشتكين.
وهنا أكد حريدين، أن صهاريج المياه المتوفرة في المؤسسة غير قادرة على الوصول إلى تلك المناطق كون «أصغر صهريج لدى المؤسسة، هو أكبر من سيارة الإطفاء بمرة ونصف»، وعلى ذلك يتم حالياً تجهيز سيارات صغيرة مع خزانات مياه، يمكنها الوصول إلى تلك المناطق، أن حصل أي طارئ في المرات القادمة، وهذا التصريح كان أيضاً في شهر آب الماضي، وعندما قطعت المياه في شهر أيلول، تبين عدم تجهيز أي من تلك السيارات الموعودة.
مواطنون أكدوا أنهم حين تواصلوا مع محافظة دمشق في آب الماضي، كان الرد بأن المياه التي لديهم «غير صالحة للشرب»، وهنا أوضح مدير النظافة في محافظة دمشق، عماد علي، والذي يؤازر مؤسسة المياه في حالات الطوارئ على حد تعبيره، أن «مياه الصهاريج الموجودة لديه، تستخدم في شطف الشوارع، ومصدر تلك المياه خزانات الحدائق، وهي غير صالحة للشرب».
وتابع «في حالة الطوارئ، نوقف شطف الشوارع، وننسق مع مؤسسة المياه لتعبئة الـ14 صهريج التي لدينا بمياه صالحة للشرب وتوزيعها وفقاً للأولويات» التي يكون فيها المواطنون آخر الاهتمامات.


الكهرباء أو المياه

حتى أول يوم من عيد الأضحى، لم تصل المياه إلى كثير من أحياء دمشق، ما يعني أن الانقطاع استمر حوالي أسبوع كامل أو أكثر بسبب «الاعتداء على خط مياه في وادي بردى» وفقاً للتصريحات الرسمية، وعدم القدرة على الدخول لإصلاحه وفقاً لآخر تصريح لحريدين.
سكان في باب توما وبوابة الميدان وركن الدين، ونهر عيشة، أكدوا أن المياه لا تأتيهم إلا عند انقطاع التيار الكهربائي نتيجة توقف مضخات المياه المنزلية، ورغم مجيئها تكون ضعيفة جداً ولا تصل إلى الخزانات، مشيرين إلى أنه في فترة انقطاع المياه الأخيرة، تحسن وضع الكهرباء وهذا ما شكل أزمة بالنسبة لهم على حد تعبيرهم.
تقول مارلين، إننا مضطرون لتعبئة المياه من الأحياء الأكثر انخفاضاً عنا، أو من «السبيل» في المنطقة. خزاناتنا فارغة منذ أسبوع، ولا توجد صهاريج تدخل المنطقة. لا نعرف ما هو الحل، لكن ضخ المياه عبر خطة الطوارئ ضعيف جداً، ولا يصل إلى الكثير من المناطق.
حالياً، بدأ سكان دمشق، بالتوجه إلى شراء «متورات» المياه التي كانت منتشرة بداية في ريف دمشق، والتي تعاني ضعف ضخ مياه الآبار الجوفية، وفي هذه الحالة سيحرم من المياه من لا يقدر على شراء المضخة التي وصل سعرها ما بين 20 و30 ألف ليرة سورية أو أكثر حسب نوعها،.. بقي أن نذكر مرة أخرى بأن أي من التبريرات الرسمية لظاهرة انقطاع المياه كمادة لا يمكن الاستغناء عنها غير مقنعة، كما يقول المواطنون، وليس من خيار إلا تأمينها دون تقديم ذرائع ومبررات لا تؤمن قطرة ماء.

 

المواطن في أخر سلم الأولويات

أولويات علي كان آخرها المواطن، فهي تبدأ بجهات ثابتة تقوم بتزويدها المحافظة بمياه الشرب بشكل دائم «طوارئ أو غير طوارئ»، وهي «مراكز الإيواء بدمشق، مشافي الـ601 والباسل، وسجن عدرا، والحسينية».
علي أضاف أنه في حالة الطوارئ، تتم إضافة فعاليات أخرى بالتنسيق مع مؤسسة المياه، وهي بالدرجة الثانية بعد الجهات الثابتة الأولى «الأفران العامة والخاصة والمشافي العامة والخاصة»، وبالدرجة الثالثة «التجمعات الحكومية»، وأخيراً بعض الأحياء.
صهاريج المحافظة وفقاً لعلي، لا يمكنها الوصول إلى أحياء سفح قاسيون للأسباب ذاتها التي قالها حريدين أعلاه، إضافة إلى عدم «قدرة مديرية النظافة تغطية دمشق كلها بـ13 صهريج».
سابقاً، أكد حريدين أنه في دمشق «حوالي 13 صهريج يخدمون في حالة الطوارئ إضافة إلى 10 صهاريج من محافظة دمشق»، وهذا العدد قد يكون قليل جداً، مقارنة بالحاجة والطلب على المياه في حال انقطاعها، وخاصة وسط موجة الحرارة المرتفعة وانقطاع التيار الكهربائي، الذي قد يعيق تعبئة الخزانات بواسطة «موتورات المياه» في بعض المناطق.