أهالي عدرا العمالية: مأساة النزوح.. وصعوبات العودة
عام مضى على استعادة المدينة العمالية بعدرا من أيدي المسلحين، ودعوة الأهالي للعودة اليها، إثر نزوحهم عنها مرغمين، بعد معاناة مع هؤلاء المسلحين دامت 20 يوماً، لم تهز حياتهم فقط، بل هزت البلاد بأسرها، لما تمثله تلك المدينة بقاطنيها من ثقل اقتصادي واجتماعي، ولموقعها الجغرافي، حتى أن مأساة المدينة وسكانها عرضت في أروقة مجلس الأمن.
اهتمام حكومي.. ولكن
الاهتمام الحكومي بالمدينة العمالية كان واضحاً، للأسباب التي ذكرت سابقاً، فقد تم استنفار الإمكانات المتاحة لإعادة تأهيل البنية التحتية في المدينة، (الكهرباء والمياه والصرف الصحي و...)، الأمر الذي لم يستكمل حتى تاريخه، لأسباب فنية موضوعية، وذاتية، وبعض الروتين بأروقة العمل، وأُعيد تأهيل المخبز الاحتياطي، وفُسح المجال أمام بعض الفعاليات الأهلية الخدمية (المواد الغذائية والأساسية وغيرها)، مع ملاحظة عدم استكمالها (أطباء – صيادلة - ..). كما تم إعادة تشغيل خط النقل (سرافيس) من المدينة واليها.
وأُعلن عن تعويضات لقاء الأضرار (بناء– أثاث)، من قبل محافظة ريف دمشق، «استفاد منها البعض وحسب المحسوبيات».
كل ذلك من أجل تشجيع الأهالي للعودة والاستقرار في المدينة.
ولكن واقع الحال يفيد بمعالم أخرى في اللوحة.. بعد عام على بدء هذه الإجراءات، التقى مراسل قاسيون بعدد من أهالي وسكان المدينة وكان التالي:
عودة واستقرار .. «غيري أولى بالتعويض»
محمد.أ: بالعموم وضع منزلي أفضل من منازل أُخرى، لم تعد صالحة للسكن وأصحابها فقدوا مقتنيات وشقاء عمرهم بها.
لم أنظم ضبط ، كما قيل من أجل التعويض عن الأضرار، فغيري أولى بالتعويض، ومثلي كثر من السكان الذين امتنعوا عن تنظيم الضبوط، والآن أنا مستقر بالمدينة.
تراكم أقساط عرقل العودة
خالد.ب: عدت الى المدينة، وتم تنظيم وثيقة دخول، بناءً على دفتر الإسكان والعقد، وكنت مسروراً لهذا الإجراء الهام، والمدينة محكمة الإغلاق بالنسبة لإخراج أية قطعة أثاث، ثم بدأ التركيز على الأقساط الشهرية للمصرف العقاري، ومن لم يسدد يمنع من الدخول أو يعرقل دخوله، ما كان عائقاً في الاستقرار، بسبب تراكم الأقساط منذ نزوحي، وقد بات مبلغاً كبيراً حالياً.
علماً أنه صدر سابقاً قرار بفسح المجال لجدولة الديون، وقد انتهت فترة العمل به ولم أستفد منه لعدم علمي به، وأتمنى لو يعاد العمل به.
حرمان من المقتنيات
علي.ع: استقر بمحافظة أخرى، سعى كي يستفيد من مقتنياته في مستقره الجديد، ولكن دون جدوى، حيث ممنوع نقل الأثاث من المدينة، رغم الحاجة مثلاً للأدوات الكهربائية، «فأنا أملك تلك المقتنيات ومحروم عملياً من الاستفادة منها»، مع العلم أن هناك من قام بنقل عفش بيته كاملاً خارج المدينة، ولكن كيف، لا علم لي بذلك، ومن الأفضل وضع إعلان لدى البلدية، كي يتبع الأهالي السبل القانونية بإخراج بعض أو جل أثاثهم.
أملك المنزل ولا أملك حرية التصرف به
مريم.غ: استقرت خارج المدينة، وتنتظر الموافقة من أجل فسح المجال أمام عمليات البيع أو الإيجار، كونها ممنوعة حالياً لأسباب تجهلها، قائلة «مع الأسف أملك المنزل ولا أستطيع التصرف به لا بيعاً ولا إيجاراً»، وحتى البيع لدى الكاتب بالعدل غير معترف به (حسب قولها).
لا حقوق للمستأجرين
زهير.ر: كنت مستأجراً بالمدينة، سعيت للعودة إليه وأبرزت عقود الآجار المسجلة والمصدقة، واستشهدت بصاحب المنزل وبمعارفي، لي فرش وأثاث وعفش منزل كامل، لكني مُنعت من دخول المدينة، وكأن المستأجرين لا حقوق لهم، ومثلي الكثيرون.
أجور النقل أدت الى استنكاف العودة
محمود.ع: عاد إلى المدينة واستقر بها مع أسرته (أربعة أفراد)، واستنكف عن الإقامة بها، بعد شهر واحد فقط، بسبب أجور النقل، حيث: أجور النقل من وإلى المدينة، وداخل دمشق تكلف أسرته 24000 ل.س شهرياً (أي راتب أحدنا أنا أو زوجتي)، «أجور النقل بالسرفيس 75 ل.س للفرد وأحياناً 100 ل.س»، ناهيك عن الساعات المهدورة على الطرقات والحواجز.
لم أستفد من استعادة المدينة
غسان.ط: منزلي مدمر، كونه على أطراف المدينة، نظمت ضبط شرطة، وأتت لجنة من محافظة الريف عاينت ووثقت عبر الصور، ولا زلت باتنظار التعويض، الذي لايغطي قيمة قطعة كهربائية واحدة بأسعار اليوم، (علماً أن غيري صرفت له التعويضات)، أما بالنسبة لأضرار البناء فالأمر مناط بمؤسسة الإسكان، «أنا حالياً غير مستفيد من إعادة المدينة» بالمعنى المباشر، ولا زلت بالانتظار كأمثالي.
كيف أعود دون زوجي
فضلت التكتم على اسمها: كيف أعود وأستقر دون زوجي، المختطف رهينة لدى المسلحين، لا تعنيني المدينة والمنزل، راجعت جهات عدة لمعرفة مصيره، ولكن دون جدوى، هناك الكثيرون من المخطوفين لدى المسلحين، ولم نجد للآن مسعى جدياً لتحريرهم، والمساعي الفردية تنجز حلول فردية حررت البعض من الرهائن حتى الآن.
واقع راهن
المدينة حالياً مستقرة أمنياً، وجل خدماتها مؤمنة (ماء– كهرباء– مواصلات– مخبز – الخ)، على الرغم من عدم استكمالها، وخاصة شبكة الكهرباء داخل المدينة وبمنطقة التوسع، وغيرها من الخدمات غير المتوفرة حتى تاريخه، البلدية قائمة بخدماتها، وتم تعيين مختار، لتسهيل المعاملات، وقد عاد للاستقرار (بحدود 700 أسرة) من سكانها، (المالكين حصراً).
الإجراءات والاحتياطات المتخذة أمنياً وخاصة على مستوى الممتلكات جيدة، وأهمها منع إخراج أية قطعة أثاث خارج المدينة، مع بعض الاستثناءات التي بُلغنا عنها، والتي تفيد بوجود بعض السرقات محصورة داخل المدينة، بانتظار فسحة عبور إلى خارجها، وهذا ما نخشاه.
تم تكليف المؤسسة العامة للإسكان للقيام بعمليات الترميم اللازمة للأبنية المتضررة، ورصدت الاعتمادات التقديرية لذلك، وتم العاقد مع الشركة العامة للبناء من أجل التنفيذ، ولكنه لم يبدأ حتى تاريخه؟.
ملف الرهائن لم ينجز منه إلا القليل، رغم أهميته، ومضي عام مرير على المخطوفين وذويهم.
الاحتياطات الأمنية لا تغني عن المرونة والسرعة بانجاز ما تبقى
وعلى الرغم من كل الإجراءات المتخذة خلال عام، لكن على ما يبدو لم تكن كافية، حيث لم يعد ويستقر بالمدينة إلا عدداً محدوداً من سكانها حتى الآن، فمع التأكيد على أهمية وضرورة الاحتياطات الأمنية واستمرارها، فان ذلك لا يغني عن المرونة، بما لا يتعارض مع ذلك، وانجاز ما يشجع بقية الأهالي للعودة.
ونلخص مطالب أهالي المدينة العمالية حالياً بالتالي:
إعادة تفعيل قرار جدولة الأقساط المتراكمة، لصالح المصرف العقاري، حتى نهاية الربع الأول من العام القادم، وفصل موضوع السداد عن حق الدخول والخروج والإقامة في المدينة، ومنح بطاقة المقيم لجميع سكان المدينة دون استثناء.
فسح المجال أمام السكان للاستفادة من مقتنياتهم وأثاثهم، وخاصة من أقام واستقر بمكان آخر، (عبر وثيقة يتم اعتمادها من قبل المختار والبلدية)، فمن غير المعقول أن أولئك لا يستطيعون التصرف بممتلكاتهم، بظل ارتفاع الأسعار الجنوني الذي يمنعهم من امتلاك غيرها (نقداً أو تقسيطاً)، وأن يوضع لدى البلدية والمختار الإعلان التوضيحي اللازم بالمستندات المطلوبة لهذه الغاية.
فتح المجال أمام عمليات الآجار في المدينة، بالوسائل والسبل القانونية المتبعة، (عقود نظامية مصدقة رسمياً)، بما يعني استفادة طرفي العقد، مع العلم أن هذا الإجراء يخفف الضغط السكاني والخدمي في مناطق أخرى مكتظة.
تسهيل عمليات البيع والشراء، علماً بأن القانون أجاز هذه العملية بالنسبة للمساكن العمالية، وأن يُعلن عن الآلية القانونية بهذا الشأن.
المتابعة من قبل المؤسسة العامة للإسكان، للعقد المبرم مع الشركة العامة للبناء، القاضي بتكليفها القيام بترميم المباني المتضررة، كون أصحابها، لا زالوا حتى الآن نازحين، ينتظرون الاستقرار.
الإسراع بصرف التعويضات للمتضررين، من قبل محافظة ريف دمشق، دون محسوبية أو واسطة، وإعادة النظر بهذه التعويضات بما يتناسب مع القيمة الفعلية للمواد والتجهيزات المعوض عنها.
تشغيل باصات النقل الداخلي، وبأجور الحد الأدنى، وتشغيلها حتى ساعات المساء، لعلمنا بأن الكثيرين يعملون أعمالاً إضافية بعد دوامهم الوظيفي، من أجل لقمة العيش.
ويبقى الملف الأهم إنسانياً، هو ملف المتبقين من الرهائن بأيدي المسلحين، الذين لم تتمكن الجهات صاحبة العلاقة من معرفة مصيرهم، ولا حتى التأكد من وجودهم بما يطمئن ذويهم على واقع حالهم، مع الشفافية بشأن الإجراءات المتخذة.
وأخيراً استكمال البنية التحتية والخدمات ورصد الاعتمادات اللازمة لها ووضع برامج زمنية ملزمة للتنفيذ، وخاصة بمنطقة التوسع.